والمعنى: ليس أمر قريش قاصرا على شركهم؛ وتكذيبك يا محمد فيما دعوتهم إليه من التوحيد وسائر أنواع الهدى، بل كذبوا بالساعة وهي: الموعد الذي ضربه الله لبعث الخلائق وحسابها، وقالوا ﴿إِنْ هِيَ إِلَّا حَيَاتُنَا الدُّنْيَا نَمُوتُ وَنَحْيَا وَمَا نَحْنُ بِمَبْعُوثِينَ﴾ (١) فاهتموا بدنياهم وأعرضوا عن أخراهم، فلا تعجب من تكذيبهم إياك فيما جئتهم به من الحق وقد أعددنا كل من كذب بالساعة والحساب والجزاء فيها - أَعددنا لهم - نارا شديدة الاتقاد، عظيمة الإِحراق ﴿لَا تُبْقِي وَلَا تَذَرُ (٢٨) لَوَّاحَةٌ لِلْبَشَرِ﴾. ﴿فَلَا تَذْهَبْ نَفْسُكَ عَلَيْهِمْ حَسَرَاتٍ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ بِمَا يَصْنَعُونَ﴾ (٢).
١٢ - ﴿إِذَا رَأَتْهُمْ مِنْ مَكَانٍ بَعِيدٍ سَمِعُوا لَهَا تَغَيُّظًا وَزَفِيرًا﴾:
تحكى هذه الآية وصف السعير الذي توعدهم الله به في الآية السابقة، والتأنيث في "رأَتهم" لمراعاة المراد من السعير وهو النار، وقيل: لأَنه علم لها. وإسناد الرؤية والتغيظ والزفير إِليها على المجاز، وقيل: إِنه على الحقيقة، كما يؤذن به ظاهر اللفظ، لأَن الله قادر على أن يجعل لها بصرا وإدراكًا، بحيث ترى وتتغيظ وتزفر، على نحو ما قالوه في نحو قوله تعالى: ﴿وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ وَلَكِنْ لَا تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ﴾.
ومعنى الآية: إِذا كان الكافرون بمكان بعيد مكشوف أمام النار، سمعوا لاتقادها صوتًا مزعجًا كالذى يحدث من المغتاظ، وسمعوا لها صوتًا يشبه الزفير الذي يحدث من الموتور الذي يتنفس الصُّعَدَاء (٣) حين يظفر بخصمه.
١٣ - ﴿وَإِذَا أُلْقُوا مِنْهَا مَكَانًا ضَيِّقًا مُقَرَّنِينَ دَعَوْا هُنَالِكَ ثُبُورًا﴾:
أي: وإذا أُلقى الكفار بالساعة في مكان ضيق من النار وهم مقرنون، بأَن جمعت أيديهم إِلى أَعناقهم بما يجمعها - إِذا أُلقوا فيها كذلك - دعوا في هذا المحبس الناريِّ هلاكًا يخلصهم من عذاب النار المحيطة بهم، كأن يقولوا: يا ثبوراه - على معنى. هلم إِلينا لتنقذنا مما نحن فيه، وجعل بعض الأجلة دعاء الثبور ونداءه، كناية عن تمنيهم الهلاك، ليسلموا مما هو أشد منه - كما قيل: أَشد من الموت ما يتمنى معه الموت.
(٢) سورة فاطر، من الآية: ٨
(٣) بوزن البرحاء: تنفس طويل.