٩ - ﴿قَالَ كَذَلِكَ قَالَ رَبُّكَ هُوَ عَلَيَّ هَيِّنٌ.... ﴾ الآية.
أَي قال الله تعالى على لسان الملَك مجيبا زكريا عما تعجب منه: الأمر كما بُشِّرْتَ به، وإيجاد الولد منك ومن زوجك هذه لا مِنْ غيرها سهل يسير على.
ثم ذكر له ما هو أعجب منه فقال: ﴿وَقَدْ خَلَقْتُكَ مِنْ قَبْلُ وَلَمْ تَكُ شَيْئًا﴾:
أي وقد خلقتك من قبل خلق يحيى الذي بشرتك به، ولم تكن شيئًا مذكورا حيث خلقتك من تراب في ضمن خلق أبيك آدم، أو وأنت نطفة لم تكن شيئًا مذكورًا بجانب ما أنت عليه الآن، فمن قدر على خلقك مما يشبه العدم، فهو قادر على تحقيق ما بشرك به.
١٠ - ﴿قَالَ رَبِّ اجْعَلْ لِي آيَةً.... ﴾ الآية.
أي قال زكريا عليه السلام: يا رب اجعل لي علامة ودليلا على حمل امرأتى، أو على وجود ما وعدتنى به، لتستقر نفسى ويطمئن قلبى، كما قال إِبراهيم عليه السلام: ﴿رَبِّ أَرِنِي كَيْفَ تُحْيِ الْمَوْتَى قَالَ أَوَلَمْ تُؤْمِنْ قَالَ بَلَى وَلَكِنْ لِيَطْمَئِنَّ قَلْبِي﴾ (١).
﴿قَالَ آيَتُكَ أَلَّا تُكَلِّمَ النَّاسَ ثَلَاثَ لَيَالٍ سَوِيًّا﴾:
أي قال الله تعالى: علامتك على تحقيق ما وعدتك أن يحبس لسانك عن كلام الناس وأنت سوى الخلق سليم الجوارح، ليس بك شائبة خرس ولا بكم. فكان عليه السلام يقرأ ويسبح، ولا يستطيع أن يكلم الناس إِلا إِشارة ورمزا. والمراد ثلاث ليال بأيامها، وفقًا لآية آل عمران: ﴿قَالَ رَبِّ اجْعَلْ لِي آيَةً قَالَ آيَتُكَ أَلَّا تُكَلِّمَ النَّاسَ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ إِلَّا رَمْزًا وَاذْكُرْ رَبَّكَ كَثِيرًا وَسَبِّحْ بِالْعَشِيِّ وَالْإِبْكَارِ﴾ (٢).
١١ - ﴿فَخَرَجَ عَلَى قَوْمِهِ مِنَ الْمِحْرَابِ فَأَوْحَى إِلَيْهِمْ أَنْ سَبِّحُوا بُكْرَةً وَعَشِيًّا﴾:
روى أن قومه كانوا من وراء المسجد ينتظرون أن يفتح لهم الباب فيدخلوه ويصلوا، فبينما هم كذلك إذ خرج عليهم متغيرا لونه، فأنكروه وقالوا: ما لك؟ فأشار إِليهم بيده إشارة خفيفة سريعة: أن نَزِّهُوا ربكم دائمًا أو صَلُّوا له طرفى النهار.

(١) سورة البقرة، من الآية: ٢٦٠
(٢) الآية: ٤١


الصفحة التالية
Icon