٢٩ - ﴿فَأَشَارَتْ إِلَيْهِ... ﴾ الآية.
أَي فأشارت إِلى عيسى عليه السلام أن كلموه وسلوه عما تريدون، تنفيذًا لما أُمرت به، وحينما فهموا إِشارتها.
﴿قَالُوا كَيْفَ نُكَلِّمُ مَنْ كَانَ فِي الْمَهْدِ صَبِيًّا﴾: أي قالُوا منكرين ما فهموه منها حين أشارت إلى عيسى، متعجبين لهذا الأمر، حيث إنه لم يعهد فيما سلف أن صبيا يكلمه عاقل، وهو في فراشه الممهد له وفي سن رضاعه، فكيف نكلم هذا؟ قال السدى لما أشارت إليه غضبوا وقالوا: لَسخْرِيَتُها بنا حين تأمرنا أن نكلم هذا الصبى أَشد علينا من زناها..
٣٠ - ﴿قَالَ إِنِّي عَبْدُ اللَّهِ آتَانِيَ الْكِتَابَ وَجَعَلَنِي نَبِيًّا... ﴾ الآية.
هذا كلام مستأْنف، كأنه قيل: فماذا كان بعد إشارتها إليه أَن يكلمهم بعد أن وقع منهم ما وقع من إنكار وتعجب، فكان الجواب: قال عيسي إني عبد الله آتانى الكتاب وجعلنى نبيًا، فكان أول ما نطق به الاعتراف بعبوديته لله تعالى، وببروبية الله لعيسى ثم ذكر فضل الله عليه حيث يقول: ﴿آتَانِيَ الْكِتَابَ وَجَعَلَنِي نَبِيًّا﴾ أي حكم أزلا بإيتائِى الإنجيل، وإِن لم يكن منزلا إذ ذاك، وحكم كذلك بإيتائى النبوة بمعنى أعَدَّنِي لها، وجعلنى ذا قدرة على تحمل أَعبائها.
وفي كل ما قاله تنبيه على براءة أمه، لدلالته على اصطفائه، والله سبحانه أجل من أن يصطفى المطعون في نسبه وذلك من المسلمات عندهم، ففيه من إِجلال أمه بالتلميح ما ليس في التصريح.
٣١ - ﴿وَجَعَلَنِي مُبَارَكًا أَيْنَ مَا كُنْتُ.... ﴾ الآية.
أي وجعلنى ذا بركات ومنافع في الدين، فأي مكان وُجدت فيه فأنا مبارك ممتثل أمر ربي. وعن سفيان: جعلني مُعَلِّم الخير، أَمرًا بالمعروف، وناهيًا عن المنكر.
﴿وَأَوْصَانِي بِالصَّلَاةِ وَالزَّكَاةِ مَا دُمْتُ حَيًّا﴾: وأَمرني بأدائهما مدة بقائى حيًّا في هذه الدنيا أمرًا مؤكدًا، فلا أَتوانى عنهما منذ يبدأ تكليفى بهما، حتى ينتهى أجلى، وقد اقتصر على الصلاة والزكاة من بين ما سوف يشرعه الله في دينه لأَهميتهما، ويجوز أن يراد بالزكاة تطهير النفس من الرذائل وقد أَوصانى بذلك....