أَي ما ينبغي وما يستقيم في منطق عاقل أَن يصف الله باتخاذ أي ولد لأنه سبحانه ليس من صفته اتخاذ الولد حيث إنه منزه عن الاحتياج إليه ولا إلى أحد من مخلوقاته، ﴿إِنْ كُلُّ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ إِلَّا آتِي الرَّحْمَنِ عَبْدًا﴾.
﴿إِذَا قَضَى أَمْرًا فَإِنَّمَا يَقُولُ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ﴾: أي إِذا أراد إيجاد أمر من الأُمور تعلقت به إِرادته أوجده بلا توقف بقوله كن فيكون، فمن كان هذا شأنه فكيف يتوهم أن يكون له ولد، وهو من أمارات الاحتياج والنقص، ومع دلالة الآية على تنزيهه تعالى صراحة، فهي تشير ضمنا إلى تكذيب النصارى وتبكيتهم على قبح عقيدتهم.
و ﴿مِنْ﴾ في قوله ﴿مِنْ وَلَدٍ﴾ لإفادة التأكيد وقوله: ﴿كُنْ فَيَكُونُ﴾ على ما ذهب إِليه كثير من أَهل السنة، تمثيل إيجاد ما تتعلق به الإرادة بلا توقف - تمثيله - بالطاعة الفورية من المأمور لآمره، وليس المراد أنه إذا أراد إِحداث شيء أتى بالكاف والنون، ففي الكلام استعارة تمثيلية، ويرى آخرون أن الأمر في ﴿كُنْ﴾ محمول على حقيقته وأنه سبحانه أَجرى سنته في تكوين الأشياء أن يكوّنها بكلمة ﴿كُنْ﴾ أزلا ومن ذلك عيسى عليه السلام خلق بكلمة كن فكان...
٣٦ - ﴿وَإِنَّ اللَّهَ رَبِّي وَرَبُّكُمْ فَاعْبُدُوهُ.... ﴾ الآية.
الظاهر أَن هذا من تمام كلام عيسى عليه السلام وهو في مهده، يخبر به قومه بأن هذا الدين القيم هو دين الله الذي هو ربه وربهم - ويأمرهم بعبادته تعالى وبألا يشركوا به شيئًا. لأنه وحده المستحق للعبادة، والسبيل إِليه لا اعوجاج فيه ولا التواء كما يقول تعالى: ﴿هَذَا صِرَاطٌ مُسْتَقِيمٌ﴾: أي هذا الذي حدثتكم به عن الله من التوحيد طريق قويم، من سلكه رشد وسعد ومن أعرض عنه ضلَّ وشقى.
وروى أن عيسى بعد تبرئته لأُمه بما تقدم، عاد إِلى حالة الأطفال فلم يتكلم إِلا في الوقت المناسب للكلام ولم يصل ولم يصُم وهو ابن يوم أو شهر، ولو دام نطقه وتسبيحه ووعظه وصلاته من وقت الولادة لكان هذا مما يُروَى ولا يكتم، وإنما اقتصر حديثه على وقت اتهام أُمه لتبرئتها ودفع الحد عنها (١).