وقد استجاب الد لموسى فحقق رغبته، وأناله طلبته بما حكاه القرآن بقوله:
١٥ - ﴿قَالَ كَلَّا فَاذْهَبَا بِآيَاتِنَا إِنَّا مَعَكُمْ مُسْتَمِعُونَ﴾:
قال الله لموسى: كلا، لا تخف؛ لن يقتلوك ولن يصيبك مكروه، فالعناية معك والله يعصمك من الناس فلا يتردد في صدرك هذا الخاطر ولا يَجُلْ في نفسك هذا الظن، فاذهب أنت وأخوك بآياتي الباهرة ومعجزاتي الخارقة فإن فيها أمنا لك من خوفك وتثبيتا لقلبك وتأييدًا لدعوتك وأنا معكم جميعا بسمعى وعلمى أُحيطكما بالرعاية والتأييد والنصر، وأمدكما بالعون وأما فرعون فسأكون ضده بالتخذيل والتخويف فلا يصل إليكما ولا ينال منكما.
١٦ - ﴿فَأْتِيَا فِرْعَوْنَ فَقُولَا إِنَّا رَسُولُ رَبِّ الْعَالَمِينَ﴾:
فاذهبا يا موسى أنت وأخوك هارون إلى فرعود ذلك الذي يدعى الألوهية ويقول: ﴿أَنَا رَبُّكُمُ الْأَعْلَى﴾ (١) فقولا له قولًا لينا لك غلظة فيه ولا قسوة، لعله يتذكر ما قد أنساه سلطانه وجبروته عن أنه مربوب لله رب العالمين، ليقل كل منكما له: إنه رسول رب العالمين (٢)، وفي ذلك رد لدعوى فرعون أنه إله، وإشعار له بأن للعالمين ربا واحدا هو الذي بعثهما إليه، وفي هذا الأسلوب حمل لطيف لفرعون على أن يمتثل أمر ربه رب العالمين.
١٧ - ﴿أَنْ أَرْسِلْ مَعَنَا بَنِي إِسْرَائِيلَ﴾:
أي: أطلق سراح بني إسرائيل وفك أسارهم ودعهم يذهبوا معنا حيث نذهب، وهو يقصد بذلك توجههم إلى فلسطين.
(٢) ويجوز أنه أفرد مع أنهما رسولان؛ لأنه مصدر وصف به؛ ولهذا أفرد تارة وثنى أخرى؛ ومن استعماله مصدرا قول الشاعر:
لقد كذب الواشون؛ ما فهمت عندهم | بسر ولا أرسلتهم برسول |