مني، إن موسى لكبيركم الذي علمكم السحر، فتواطأتم معه على أن تُغلبوا أمامه، فهو مكر مكرتموه معا في المدينة لتخرجوا منها أهلها، فلسوف تعلمون ما يحل بكم من النكال والوبال.
﴿لَأُقَطِّعَنَّ أَيْدِيَكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ مِنْ خِلَافٍ وَلَأُصَلِّبَنَّكُمْ أَجْمَعِينَ﴾:
في هذه الجملة بيان للعقاب الذي توعدهم به فرعون إجمالا في قوله: ﴿فَلَسَوْفَ تَعْلَمُونَ﴾ أي: لأُقطعن اليد اليمنى مع الرجل اليسرى أو العكس، ولا أقتصر على ذلك، لأصلبنكم على جذوع النخل وأربطكم بالحبال عليها، كما قال تعالى في سورة (طه) حكايته عنه: ﴿وَلَأُصَلِّبَنَّكُمْ فِي جُذُوعِ النَّخْلِ وَلَتَعْلَمُنَّ أَيُّنَا أَشَدُّ عَذَابًا وَأَبْقَى﴾ (١).
٥٠ - ﴿قَالُوا لَا ضَيْرَ إِنَّا إِلَى رَبِّنَا مُنْقَلِبُونَ﴾:
قال السحرة بعد سماع وعيد فرعون الخطير غير مبالين بهِ: لا ضرر علينا في قطع أيدينا وأرجلنا وتصليبنا، فالموت في سبيل الله أسمى أمانينا، لأننا إلى ربنا الذي آمنا به راجعون حين تقتلنا، فنرى لديه من الكرامة والعز، لصبرنا على تعذيبك إيانا، واستشهادنا في سبيله، فلا يزعجنا وعيدك وتهديدك فما أحلى الموت في سبيل الحق.
ويرحم الله خبيب بن عدي حين قال لآسريه الذين أرادوا قتله وصلبه؛ لثأر لهم عند المسلمين:

ولست أُبالي حين أُقْتَلُ مسلمًا على أي جنب كان في الله مصرعي
وذلك في ذات الإله وإن يشأ يبارك على أوصال شِلْوٍ مُمَزَّع
وإنما أصر فرعون على صلب السحرة بعد تقطيع أطرافهم، زيادة في التنكيل بهم. وأن يكونوا عبرة لغيرهم.
٥١ - ﴿إِنَّا نَطْمَعُ أَنْ يَغْفِرَ لَنَا رَبُّنَا خَطَايَانَا أَنْ كُنَّا أَوَّلَ الْمُؤْمِنِينَ﴾:
هذا تعليل آخر لانتفاء الضرر على السحرة بقتل فرعون وصلبه إياهم، أي: لا ضرر علينا حين تنفذ وعيدك فينا، فإننا نطمع أن يغفر لنا ربنا خطايانا التي حدثت منا أيام الكفر، لكوننا أول المؤمنين من أتباع فرعون.
وهكذا تهون الأرواح ويُسْتَلَذُّ العذاب في سبيل مرضاة الله رب العالمين.
(١) من الآية: ٧١


الصفحة التالية
Icon