القرآن الكريم عن الخضر - عليه السلام - بقوله: ﴿فَأَرَدْتُ أَنْ أَعِيبَهَا﴾ (١) وقال: ﴿فَأَرَادَ رَبُّكَ أَنْ يَبْلُغَا أَشُدَّهُمَا وَيَسْتَخْرِجَا كَنْزَهُمَا﴾ (٢) ولا يرد إسناد الإماتة - وهي أشد من المرض إليه - عَزَّ وَجَلَّ - في قوله تعالى: ﴿وَالَّذِي يُمِيتُنِي ثُمَّ يُحْيِينِ﴾ لإمكان الفرق بأن الموت قد علم واشتهر أنه قضاءٌ محتوم من الله - عَزَّ وَجَلَّ - على سائر البشر، وحكم عام فالتأسي بعموم الموت يسقط أثر كونه نقمة، فيسوغ الأدب نسبته إليه تعالى، وليس المرض كذلك فقد يتفق وقد لا يتفق.
والمعنى: وإذا وقعت في مرض فإنه لا يقدر على شفائي أحد غيره بما يقدر عليه من الأسباب الموصلة إليه.
٨١ - ﴿وَالَّذِي يُمِيتُنِي ثُمَّ يُحْيِينِ﴾:
المعنى: والذي يميتنى إذا جاء أجلى، والذي يحيينى مرة أخرى للحساب والجزاء، وقيل: إن الموت لأهل الكمال وسيلة إلى نيل ما أعده الله لهم من نعيم دائم تحتقر معه الحياة الدنيوية وفيه تخليص للعاصي من اكتساب السيئات، فلهذا يعتبر نعمة فلذا أسند إليه سبحانه.
٨٢ - ﴿وَالَّذِي أَطْمَعُ أَنْ يَغْفِرَ لِي خَطِيئَتِي يَوْمَ الدِّينِ﴾:
لم يكن لإبراهيم - عليه السلام - خطايا؛ لأنه أبو الأنبياء وخليل الرحمن، وإنما أضاف الخطيئة إلى نفسه بالنسبة إلى ربه أمام قومه، هضما لنفسه وتنبيها لأبيه وقومه أن يتأملوا في أمرهم ليعلموا أنهم من سوء الحال في درجة شديدة، وهم مع ذلك بعيدون عن الرجوع إلى الله بالتوبة من الشرك والمعاصي، وليعلم المسلم أن الأنبياء دائما يطلبون المثل الأعلى في عبادة الله وطاعته، وكلما ارتقوا إلى درجة أعلى استصغروا ما كانوا فيه وعدوه قليلًا واعتبروه من الخطايا مع أنهم لم تحدث منهم معصية على الإطلاق.
ومغفرة الخطايا سابقة في علم الله، وإنما علق إبراهيم - عليه السلام - المغفرة بيوم الدين؛ لأن أثرها يظهر ويحدث يومئذ، ولأن في ذلك تهويلا وإشارة إلى وقوع الجزاء فيه إن لم تغفر.
(٢) الكهف، من الآية: ٨٢