التفسير
١٠ - ﴿وَأَلْقِ عَصَاكَ فَلَمَّا رَآهَا تَهْتَزُّ كَأَنَّهَا جَانٌّ وَلَّى مُدْبِرًا وَلَمْ يُعَقِّبْ... ﴾ الآية.
هذه الآية من جملة ما كلم الله به موسى من الشجرة، وقد تضمنت أَنه - تعالى - أَمره أَن يلقى عصاه من يده، ليرية آية على أن الذي يكلمه هو الفاعل المختار القادر على كل شيءٍ، وقد شبهت العصا بعد تحولها بالجان، وهي ضرب من الحيَّات أَكثرها حركة وأَسرعها اضطرابًا، مع صغر في الحجم، وقد جاء تشبيها بثعبان مبين في قوله تعالى: ﴿فَأَلْقَى عَصَاهُ فَإِذَا هِيَ ثُعْبَانٌ مُبِينٌ﴾ (١) والثعبان أكبر حجمًا من الجان، فهي في حجم الثعبان جسمًا، وفي صورة الجان حركة واضطرابًا سريعًا، فلذا عبر عنها بالكلمتين في موضعين مختلفين من السور.
والمعنى: ونادى الله موسى: ألق عصاك الخشبية من يدك، فأَلقاها فأَنقلبت حية، فلما رآها تتحرك بشدة واضطراب كأنها جان في سرعتها وخفتها، انصرف عنها مدبرًا خوفًا منها، ولم يرجع إِلى المكان الذي كان فيه حين ألقى عصاه فناداه ربه مطمئنًا بقوله:
﴿يَا مُوسَى لَا تَخَفْ إِنِّي لَا يَخَافُ لَدَيَّ الْمُرْسَلُونَ﴾: يا موسى لا تخف من هذه الحية التي آلت إليها العصا، ولا من غيرها فإِنه لا يخاف في حضرتي المرسلون؛ لأَننى أَحميهم وأحْفظهم من كل شيءٍ.
وفي هذه الآية بشارة له بأنه سيكون من رسل الله - سبحانه وتعالى - وتعليم له بأنه لا ينبغي لمن يرسلهم الله إِلى خلقه لهدايتهم، أَن يخافوا أَو يخطر الخوف ببالهم عند الوحى إِليهم وإِن وُجِدَ ما يخاف منه، لاستغراقهم في تلقي أَوامر الله، وانجذاب أَرواحهم إِلى عالم الملكوت، والتقييد بكلمة ﴿لَدَيَّ﴾ لأن المرسلين يغلب الخوف عليهم في غير هذه الحالة، فهم في سائر أَحيانهم أَخوف الناس من الله - عَزَّ وَجَلَّ - فقد قال تعالى: ﴿إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ﴾ (٢) ولا أعلم منهم باللهِ - تعالى -.

(١) سورة الأعراف، الآية: ١٠٧
(٢) سورة فاطر، من الآية: ٢٨


الصفحة التالية
Icon