ولا نذهب بعيدا في هذا الشأْن، فإِن النبات المعروف في مصر باسم (عباد الشمس) تدور زهرته مع الشمس أَينما دارت، وهناك من النبات ما لو لمست ورقة منه أَو نفخت فيها انكمشت، حتى أَطلق البستانيون عليها اسم: المُسْتَحِيَة، كأَنها تستحى عند لمسها أَو نفخها فتجمع أَوراقها وتضم وبعضها إِلى بعض: ﴿فَتَبَارَكَ اللَّهُ أَحْسَنُ الْخَالِقِينَ﴾ (١).
ومعنى الآية: وجُمِع لسليمان جيشُه وعساكره من أَماكنها المختلفة، وكان جيشه مؤلفًا من الجن والإِنس والطير، تعظيمًا لمقامه وإرهابًا لعدوه، فهم يؤمرون بالكف عن السير حتى يجتمعوا، فتنتظم صفوفهم وألويتهم طبقًا للنظم العسكرية ثم يؤمرون بالسير.
١٨ - ﴿حَتَّى إِذَا أَتَوْا عَلَى وَادِ النَّمْلِ قَالَتْ نَمْلَةٌ يَا أَيُّهَا النَّمْلُ ادْخُلُوا مَسَاكِنَكُمْ لَا يَحْطِمَنَّكُمْ سُلَيْمَانُ وَجُنُودُهُ وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ﴾ (٢):
﴿حَتَّى﴾: ابتدائية، وفيها معنى الغاية لما يفهم من الكلام قبلها، كأَنه قيل: فلما اجتمعوا ونُظِّمُوا وأُمروا بالمسير، فساروا حتى أَتوا على وادى النمل... إلخ.
ووادى النمل: واد بأَرض الشام تكثر فية النمل - كما روى عن قتادة ومقاتل - وقيل: واد باليمن معروف عند العرب ومذكور في أَشعارهم. ولفظ (أتَى) في قوله تعالى: ﴿أَتَوْا عَلَى وَادِ النَّمْلِ﴾ يتعدى بنفسه، فيقال: أتى وادىَ النملِ، أَو بإِلى، كقولك: أَتى إِلى وادى النمل - وإِنما عُبِّر (بعلى) في الآية الكريمة، إما لأن إتيانهم إليه كان من مكان عاد، أَو لأَن المراد من إِتيانهم عليه قطعه كله وبلوغ آخره، والإِتيان بهذا المعنى مجاز عن القرب، من: قطعه، ولَمَّا يقطعوه بَعْدُ، ولهذا حذرت النملة أُمتها قبل مجىء سليمان إِلى مكانها من الوادى ونهتهم بقولها: ﴿لَا يَحْطِمَنَّكُمْ سُلَيْمَانُ وَجُنُودُهُ﴾، فقولها هذا: نهى مؤكد بالنون لجماعتها من النمل عن التعرض لتحطيمها من سليمان وجنوده إِن لم تدخل مساكنها في وادى النمل قبل مجيئهم، وقد أدركت بإِلهام الله لها أنهم لو حطموها وهي في طريقهم فإنما يفعلون ذلك لا عن شعور بها، كأنها أدركت عصمة الأنبياء عن الظلم بإبادتها، وذلك منها أدب
(٢) يرى القارئ الكريم أن الآية استعملت مع النمل ضمائر العقلاء، تنزيلا لها منزلتهم لفطنتها.