والمرأة التي كانت تملك سبأَ اسمها (بلقيس بنت شراحيل) كما يقول المؤرخون والمفسرون، فقد كانت ملكة عليهم وحاكمة لهم في إقليم مأْرب، وقد كانت المسافة بين معسكر سليمان في صنعاء، وبين مأْرب مسيرة ثلاث ليال - كما ذكره القرطبي - فكيف خفى أَمرها على سليمان وجنوده من الإنس والجن؟ والجواب: أن الله أخفى أَمرها لمصلحة ستُعرف من قصتها، كما أخفى أمر يوسف على يعقوب ليجده في النهاية حاكم مصر وسيدها المطاع.
والمراد من إيتائها من كل شيءٍ: أن الله - تعالى - أَعطاها من أسباب قوة الملك ما جعل لها سلطانًا قويًّا على قومها وبين جيرانها.
وقد ذكر المفسرون في وصف طول عرشها وعرضه وارتفاعه وجواهره أمورًا عجيبة لم نجد لها أصلًا فتركنا ما قالوه اكتفاءً بوصفه في الآية بأنه عظيم، والله أعلم بعظمته كيف كانت.
ومعنى الآية: إنِّي وجدت امرأة عظيمة العقل والجاه تملك قومها سبأَ وقد أَعطاها الله من كل شيء يحقق لها السيطرة على قومها، والعزة والجاه فيما حولها، ولها سرير عظيم تجلس عليه في أبهة الملك، حينما يلقاها عظماءُ قومها أو سواهم.
وقدر أثار المفسرون لهذه الآية مسأَلة حكم المرأَة وقضائها في كتب التفسير الموسعة، وبخاصة التي تعنى بالأحكام الفقهية، وانتهوا إلى أنها لا تلي شيئًا من ذلك، مستندين إلى ما رواه البخاري من حديث ابن عباس أن النبي - ﷺ - لمَّا بلغه أن أهل فارس قد ملَّكوا بنت كسرى قال: "لن يفلح قوم ولَّوْا أمرهم امرأة".
٢٤، ٢٥ - ﴿وَجَدْتُهَا وَقَوْمَهَا يَسْجُدُونَ لِلشَّمْسِ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ أَعْمَالَهُمْ فَصَدَّهُمْ عَنِ السَّبِيلِ فَهُمْ لَا يَهْتَدُونَ (٢٤) أَلَّا يَسْجُدُوا لِلَّهِ الَّذِي يُخْرِجُ الْخَبْءَ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَيَعْلَمُ مَا تُخْفُونَ وَمَا تُعْلِنُونَ﴾:
تحكى الآية السابقة بأُسلوب الاستئناف، وهاتان الآيتان بعدها بقية ما رواه الهدهد لسليمان - عليه السلام - عن مملكة سبأَ.