التفسير
٢٧ - ﴿وَلَوْ أَنَّمَا فِي الْأَرْضِ مِنْ شَجَرَةٍ أَقْلَامٌ.. ﴾ الآية:
قال ابن عباس: إن سبب نزول هذه الآية أن اليهود قالت: يا محمد!! كيف عُنينا بهذا القول؟ ﴿وَمَا أُوتِيتُمْ مِنَ الْعِلْمِ إِلَّا قَلِيلًا﴾ وقد أوتينا التوراة فيها كلام الله وأحكامه، وعندك أنها تبيان لكل شيء، فقال لهم الرسول - ﷺ -: "التوراة قليل من كثير" فنزلت الآية.
والمعنى: ولو ثبت أن ما في الأرض من جميع أنواع الشجر أقلام، وصار البحر على اتساعه وامتداده مدادًا يمده ويزيده من بعده سبعة أبحر مثله في السعة وكثرة الماء، فكتبت بهذه الأقلام وهذا المداد كلمات الله وأوامره في كونه وملكوته، ما فنيت ولا انتهت كلمات الله لعدم تناهيها، بل تفنى الأقلام وينتهي المداد دون أن تنتهي كلماته - تعالى - فإن كلام الله في شئون كونه أمرا ونهيا وإيجادًا وإعدامًا وغير ذلك لا ينتهى، والمكلفون به من الملائكة وغيرهم لا يحصونه عددا ﴿إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ﴾: قادر غالب لا يعجزه شيء ﴿حَكِيمٌ﴾: لا يخرج عن الحكمة ما يتكلم به.
هذا وفي الآيات مباحث منها:
١ - أن المراد (بشجرة) كل أنواع الأشجار النى يمكن أن تؤخذ منها الأقلام، والنكرة قد تعم في الإثبات كما في قوله - تعالى -: ﴿عَلِمَتْ نَفْسٌ مَا أَحْضَرَتْ﴾.
٢ - اختيار جمع القِلَّة في ﴿أَقْلَامٌ﴾ مع أن الأنسب للمقام جمع الكثرة لأنه لم يعهد للقلم جمع سواه، وإيثار جمع القلة في الكلمات (وجمع المؤنث من قبيل القلة) للإيذان بأن ما ذكر لا يفي بالقليل منها فكيف بالكثير.
٣ - ليس المراد بذكر العدد في قوله: ﴿سَبْعَةُ أَبْحُرٍ﴾ خصوص العدد، وإنما المراد الكثرة، واختير عدد (سبعة) بخصوصه من بين الأعداد لأن كثيرا من المعدودات التي لها شأن سبع، كالسموات، والكواكب السيارة، وأيام الأسبوع إلى غير ذلك.