بذلك ترك النبي مع المهاجرين، حتى إذا انتصرت عليهم الأَحزاب كان لهم بذلك يد عندهم تنجيهم من بطشهم، ويستأْذن جماعة منهم النبي في العودة إلى بيوتهم ليحرسوها قائلين: ﴿إِنَّ بُيُوتَنَا عَوْرَةٌ﴾ أي: ذليلة غير حصينة يخاف عليها من السُّرَّاق، وما هي بعورة - كما زعموا - ما يريدون بهذا الاستئذان إلا فرارًا من أَرض المعركة.
١٤ - ﴿وَلَوْ دُخِلَتْ عَلَيْهِمْ مِنْ أَقْطَارِهَا ثُمَّ سُئِلُوا الْفِتْنَةَ لَآتَوْهَا وَمَا تَلَبَّثُوا بِهَا إِلَّا يَسِيرًا﴾:
ولو دخل الأَعداءُ المدينة أو البيوت من جوانبها على هؤُلاء المعتذرين عن القتال بخلل بيوتهم، ثم سأَلهم هؤُلاء الأَعداءُ الحرب في صفوفهم ضد محمَّد وأَصحابه لأَعطوها وخاضوا غمارها ضده، ولم يتلبثوا في بيوتهم إلا زمنًا يسيرًا بقدر ما يأْخذون سلاحهم فطلبهم الإذن في الرجوع إلى بيوتهم ليس راجعًا إلى اختلالها وعدم حصانتها - كما زعموا - بل لنفاقهم وكراهتهم نصرة رسولهم.
وفسر بعضهم الفتنة بالكفر، والمعنى عنده: ولو سئلوا الردة عن الإِسلام لأَعطوها وما مكثوا بإعطائها إلا زمنًا يسيرا بمقدار السؤال والجواب، والمعنى الأول أَولى، وهو اختيار ابن عطية، وقد دخل فيه هذا المعنى ضمنًا.
﴿وَلَقَدْ كَانُوا عَاهَدُوا اللَّهَ مِنْ قَبْلُ لَا يُوَلُّونَ الْأَدْبَارَ وَكَانَ عَهْدُ اللَّهِ مَسْئُولًا (١٥) قُلْ لَنْ يَنْفَعَكُمُ الْفِرَارُ إِنْ فَرَرْتُمْ مِنَ الْمَوْتِ أَوِ الْقَتْلِ وَإِذًا لَا تُمَتَّعُونَ إِلَّا قَلِيلًا (١٦) قُلْ مَنْ ذَا الَّذِي يَعْصِمُكُمْ مِنَ اللَّهِ إِنْ أَرَادَ بِكُمْ سُوءًا أَوْ أَرَادَ بِكُمْ رَحْمَةً وَلَا يَجِدُونَ لَهُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَلِيًّا وَلَا نَصِيرًا (١٧)﴾