١٩ - ﴿أَشِحَّةً عَلَيْكُمْ فَإِذَا جَاءَ الْخَوْفُ رَأَيْتَهُمْ يَنْظُرُونَ إِلَيْكَ تَدُورُ أَعْيُنُهُمْ كَالَّذِي يُغْشَى عَلَيْهِ مِنَ الْمَوْتِ فَإِذَا ذَهَبَ الْخَوْفُ سَلَقُوكُمْ بِأَلْسِنَةٍ حِدَادٍ أَشِحَّةً عَلَى الْخَيْرِ أُولَئِكَ لَمْ يُؤْمِنُوا فَأَحْبَطَ الله أَعْمَالَهُمْ وَكَانَ ذَلِكَ عَلَى اللهِ يَسِيرًا﴾:
لا يزال النظم الكريم يعرض صور المنافقين. ومعنى الآية: بخلاء عليكم بالنفقة والنصرة وبكل ما فيه منفعة لكم، فإِذا جاءَ الخوف من العدو، وتُوُقِّع أن يُستأْصل أَهل المدينة، رأيتهم ينظرون إليك في تلك الحال تدور أعينهم في أحداقهم حائرة، كحال المغشى عليه من معالجة سكرات الموت حذرًا وخوفًا من الحرب.
فإِذا ذهب الخوف وجاءَ الأَمن وحيزت الغنائم ووقعت القسمة نسوا تلك الحال واجترأْوا عليكم، وضربوكم بأَلسنة ذَرِبَةٍ فصيحة وقالوا: عظموا نصيبنا من الغنيمة فإنا ساعدناكم وقاتلنا معكم، وبمكاننا غلبتم عدوكم وبنا نصرتم.
وقد سأَل نافع بن الأَزرق، ابن عباس - رضي الله عنه - عن "السلق" في الآية فقال: الطعن باللسان، قال: وهل تعرف العرب ذلك، فقال: نعم، أَما سمعت قول الأعشى:
فيهم الخصب والسماحة والنجـ | ـدة فيهم والخاطب المسلاق |
﴿أَشِحَّةً عَلَى الْخَيْرِ﴾ أي: بخلاءَ على كل خير، فلا يعاونونكم في الحرب ولا ينفقون في سبيل الله، ولا غير ذلك من فنون الخير، أولئك الموصوفون بما ذكر من صفات السوء لم يؤمنوا إيمانًا صحيحًا نابعًا من قلوبهم، فإنهم المنافقون الذين أظهروا الإيمان، وأضمروا في قلوبهم الكفر وتظاهروا بالإِسلام، ولم يستبطنوه فأَحبط الله أعمالهم، أي: أذهب أجرها وأظهر بطلانها؛ لأنها باطلة مذ عملت؛ إذ صحتها مشروطة بالإيمان الصادق، وكان ذلك الإحباط على الله يسيرا هينا سهلا، لا يبالى به ولا يخاف اعتراضا عليه؛ لأنه عادل