جاءَ في البحر: أنه لما نصر الله نبيه، وردَّ عنه الأَحزاب، وفتح عليه النضير وقريظة، ظن أزواجه أنه اختص بنفائس اليهود وذخائرهم، فقعدن حوله وقلن: يا رسول الله، بنات كسرى وقيصر في الحليّ والحُلَل والإماءِ والخَوَل (١)، ونحن على ما تراه من الفاقة والضيق، وآلمن قلبه الشريف - ﷺ - بمطالبتهن له بتوسعة الحال، وأَن يعاملهن بما تعامل به الملوك وأَبناءَ الدنيا أَزواجهم، فأَمره - تعالى - أن يتلو عليهن ما نزل في أَمرهن من تخييرهن في فراقه، وذلك قوله - تعالى -: ﴿يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْوَاجِكَ... الآية﴾ وبدأَ بعائشة فقال لها: "إني ذاكر لك أَمرا ما أحب أن تتعجلي فيه حتى تستأْمرى أبويك". قالت: ما هو؟ فتلا عليها قوله - تعالى -: ﴿يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْوَاجِكَ... الآية﴾ قالت: أَفيك استأْمر أبويّ؟ بل أختار الله ورسوله، ثم تتابعن كلهن على ذلك فسماهن الله أُمهات المؤْمنين، تعظيما لحقهن، وتأْكيدا لحرمتهن، وتفضيلا لهن على سائر النساء، وقصره عليهن إذ قال: ﴿لَا يَحِلُّ لَكَ النِّسَاءُ مِنْ بَعْدُ وَلَا أَنْ تَبَدَّلَ بِهِنَّ مِنْ أَزْوَاجٍ وَلَوْ أَعْجَبَكَ حُسْنُهُنَّ﴾ (٢) اهـ: آلوسى. وأخرج أحمد ومسلم والنسائي وغيرهم مثل ذلك، ومما سبق يتضح مناسبة هذه الآية لما قبلها.
وفي خبر رواه ابن جرير وابن أَبي حاتم عن قتادة والحسن: أَنه لما نزلت آية التخيير كان تحته - عليه السلام - تسع نسوة، خمس من قريش وهن:
(١) عائشة (٢) وحفصة (٣) وأم حبيبة بنت أبي سفيان (٤) وسودة بنت زمعة (٥) وأم سلمة بنت أبي أُمية.
ومن غير قريش: (٦) صفية بنت حُيَيّ الخيبرية (٧) وميمونة بنت الحارث الهلالية (٨) وزينب بنت جحش الأسدية (٩) وجويرية بنت الحارث من بني المصطلق، وكان هذا التخيير كما روى عن عائشة وأبي جعفر بعد أن هجرهن - عليه الصلاة السلام - شهرا "تسعة وعشرين يوما" وكان درسا قاسيا، وموقفا حاسما - وقفه رسوله الله أمام نسائه حين أردن زخارف الدّنيا وزينتها - بأَمر من الله.
والمعنى: يا أيها النبي قل لأزواجك ناصحًا مبينًا لهن وحي الله وأمره: إن كنتن تردن الحياة الدنيا وزينتها، والسعة فيها، والتنعم بها، فاقبلن بإرادتكن واختياركن لخصلتين
(٢) سورة الأحزاب: الآية: ٥٢.