٣٣ - ﴿وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ وَلَا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الْأُولَى وَأَقِمْنَ الصَّلَاةَ وَآتِينَ الزَّكَاةَ وَأَطِعْنَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا﴾:
أمر الله - تعالى - نساءَ نبيه أَن يقررن ويلزمن بيوتهن ونهاهن عن التبرج، وهو كما قال مجاهد وقتادة وابن أبي نجيح: أَن تلقى المرأَة خمارها على رأَسها، وَلا تشده فيوارى قلائدها وقرطها وعنقها، ويبدو ذلك كله منها، وقال أبو عبيدة: التبرج أَن تبدى المرأة من محاسنها ما تستدعى به شهوة الرجال، وأَصله كما قال أبو حيان: من البَرَج وهو سعة العين وحسنها، ويقال: طعنة بَرْجاءُ، أي: واسعة.
ولهذا قال الليث في معناه: تبرجت المرأَة إذا أبدت محاسنها من وجهها وجسدها، ويُرَى مع ذلك من عينها حُسْنُ نظر.
واختلف العلماءُ في تأْويل الجاهلية الأُولى، ومن أحسن ما قيل في ذلك: إنها الجاهلية التي كانت قبل الإِسلام، وهي جاهلية كفر، وأَما الجاهلية الأُخرى فهي جاهلية الفسق في الإِسلام، ويعضده قوله - ﷺ - لأَبي الدرداء - رضي الله عنه -: "إن فيك جاهلية". قال: جاهلية كفر أَو إسلام؟ قال: "بل جاهلية كفر"، ويرى ابن عطية أَنها ما قبل الإِسلام، وأَن الأُولى بمعنى السابقة وليس المعنى أن ثَمَّ جاهلية أُخرى، وقد أوقع اسم الجاهلية على المدة التي قبل الإِسلام، فقالوا في شعرائِها: شاعر جاهلي، وبالجملة فالمقصود من الآية أن لا يشبهن نساءَ ما قبل الإِسلام في مشيتهن المنكرة، وكلامهن اللين، وإظهار المحاسن للرجال، إلى غير ذلك مما لا يجوز شرعًا.
وهذا الحكم لا تختص به نساءُ النبي - ﷺ - فكل نساءِ المؤمنين مأْمورات بالتصون والاحتشام، والشريعة مليئة بلزوم النساء البيوت، والكف عن الخروج إلاَّ لضرورة وإنما خص نساءَ النبي - ﷺ - بالخطاب تشريفًا لهن، لأَنهن قدوة لسواهن.
قال ابن العربي: لقد دخلتُ نَيِّفًا على أَلف قرية، فما رأيت نساءً أصون عيالًا، ولا أَعف نساءً من نساءٍ نابلس، التي رُمى بها الخليل - ﷺ - بالنار، فإني أقمت فيها، فما رأيت امرأة في طريق نهارًا إلاَّ يوم الجمعة، فإنهن يخرجن إليها حتى


الصفحة التالية
Icon