يمتليء المسجد منهن، فإذا قضيت الصلاة ورجعن إلى منازلهن، لم تقع عينى على واحدة منهن إلى الجمعة الأخرى، وقد رأيت بالمسجد الأقصى عفائف ما خرجن من معتكَفِهن حتى استشهدن فيه. اهـ فليعتبر نساءُ عصرنا بهذا السلف الصالح.
والمعنى الإجمالي للآية: "والْزَمْن بيوتكن يا نساءَ النبي، ولا تظهرن محاسنكن للأجانب كما كان يفعل نساءَ الجماهلية قبل الإِسلام، وأدين الصلاة بأَركانها وشروطها، وأعطين الزكاة لأَصحابها، وأطعن الله ورسوله فيما يأمركن به وينهاكن عنه، ما يريد الله بما كلفكُنَّ به إلا أن يذهب عنكم الذنب المدنس لعرضكم يا أهل بيت النبي، ويطهركم منه تطهيرًا يليق بمكانة رسوله.
والمراد بأهل البيت نساؤه - ﷺ - كما يدل عليه النسق، وقيل: نساؤه وأهله الذين هم أهل بيته، وفيما يلي بيان آراء العلماءِ في ذلك وأدلتهم.
٣٤ - ﴿وَاذْكُرْنَ مَا يُتْلَى فِي بُيُوتِكُنَّ مِنْ آيَاتِ اللَّهِ وَالْحِكْمَةِ إِنَّ اللَّهَ كَانَ لَطِيفًا خَبِيرًا﴾:
يدل صدر هذه الآية كل أن المراد بأَهل البيت نساؤه، وقد اختلف أهل العلم في ذلك فقال ابن عباس وعكرمة وعطاء: هن زوجاته بخاصة لا رجل معهن، والمراد بالبيت على هذا مساكن النبي - ﷺ - لقوله تعالى: ﴿وَاذْكُرْنَ مَا يُتْلَى فِي بُيُوتِكُنَّ﴾ وقال آخرون - ومنهم الكلبي -: هم علي وفاطمة والحسن والحسين، واحتجوا بقوله تعالى: ﴿لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا﴾ ولو كان للنساء بخاصة لقال: (عنكن ويطهركن) بالنون، وقد يجاب عن ذلك بأَنه روعي لفظ الأَهل وإن كان المراد النساء، كما يقال للرجل: كيف حال أهلك؟ - والمراد امرأتك أو نساؤك - فيجيب: هم بخير، وفي مثل هذا يقول الله تعالى: ﴿أَتَعْجَبِينَ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ رَحْمَتُ اللَّهِ وَبَرَكَاتُهُ عَلَيْكُمْ أَهْلَ الْبَيْتِ﴾ قال القرطبي: والذي يظهر من الآية أنها عامة في جميع أهل البيت من الأزواج وغيرهم، وإنما قال: ﴿وَيُطَهِّرَكُمْ﴾ - بضمير جماعة المذكور - لأَن رسول الله وعليًّا وحسنًا والحسين كانوا فيهم، وإذا اجتمع المذكر والمؤنث غلب المذكر، فاقتضت الآية أن الزوجات من أهل البيت؛ لأَن الآية فيهن، والمخاطبة لهن، يدل عليه سياق الكلام - والله أعلم.


الصفحة التالية
Icon