ومعنى الآية: من كان يريد الشرف الرفيع والمنعة، فليطلبها من الله بطاعته، فلله العزة جميعًا يهبها لمن يشاءُ، إليه يرتفع الكلام الطيب من التوحيد وقراءة القرآن، والأحاديث النبوية والذكر والشكر والدعوة إلى الحق ونحوها، والعمل الصالح يرفع قدر هذا الكلام الطيب عند الله - تعالى - بحيث يكون له من الأجر أعظم مما لو تجرد عن العمل الصالح، ويصح أن يعود الضمير المستتر إلى الله - تعالى - ويعود الضمير الظاهر إلى العمل، والتقدير: والعمل الصالح يرفع الله إياه ويتقبله كما صعد إليه الكلام الطيب وتقبله.
والذين يمكرون المنكرات السيئات من قريش ضد رسول الله - ﷺ - لهم عذاب شديد في الدنيا والآخرة، ومكر أولئك هو يفسد ولا يتحقق ﴿وَيَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُ اللَّهُ وَاللَّهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ﴾ والآية وإن تنزلت في مكر قريش برسول الله - ﷺ - فحكمها شامل لهم ولغيرهم، كما قال - تعالى -: ﴿وَلَا يَحِيقُ الْمَكْرُ السَّيِّئُ إِلَّا بِأَهْلِهِ﴾ (١).
١١ - ﴿وَاللَّهُ خَلَقَكُمْ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ مِنْ نُطْفَةٍ ثُمَّ جَعَلَكُمْ أَزْوَاجًا وَمَا تَحْمِلُ مِنْ أُنْثَى وَلَا تَضَعُ إِلَّا بِعِلْمِهِ وَمَا يُعَمَّرُ مِنْ مُعَمَّرٍ وَلَا يُنْقَصُ مِنْ عُمُرِهِ إِلَّا فِي كِتَابٍ إِنَّ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ﴾:
تضمنت هذه الآية أن الله - تعالى - خلق جميع البشر من تراب، وذلك إمَّا باعتبار أبيهم آدم، فقد خلقه الله من تراب، وإمّا لأنهم خلقوا من النطفة التي ترجع إلى الأغذية، والاغذية نشأَت من تراب، فهم مخلوقون جميعًا من تراب لهذا أو لذاك.
والمقصود من النطفة ماءُ الرجل الذي فيه الحيوانات المنوية وماءُ المرأة الذي فيه البويضة، وقد مرَّ بيان ذلك مستوفى في تفسير قوله - تعالى -: ﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنْ كُنْتُمْ فِي رَيْبٍ مِنَ الْبَعْثِ﴾ (٢) فارجع إليها إن شئت.
وهذه الآية تشير إلى دليل آخر من أدلة البعث غير ما تقدم والمقصود من قوله - تعالى -: ﴿وَمَا يُعَمَّرُ مِنْ مُعَمَّرٍ﴾: وما يمد في عمر أحد حتى يصير معمرًا، فسماه معمرًا باعتبار

(١) سورة فاطر: ٤٣.
(٢) الآية: ٥ من سورة الحج.


الصفحة التالية
Icon