ما يؤول إليه، والمقصود من قوله: ﴿وَلَا يُنْقَصُ مِنْ عُمُرِهِ﴾ ولا ينقص من عمر أحد آخر غير المعمر، كما تقول: عندي درهم ونصفه، أي: ونصف درهم آخر غير الدرهم الأول، وهذا هو المعروف في علوم البلاغة (بالاستخدام) وهو ذكر اللفظ بمعنى وإعادة الضمير عليه بمعنى آخر.
ومعنى الآية: والله خلقكم يا بني آدم من تراب ضمن خلق أبيكم آدم منه؛ أو لأنكم خلقتم من الأغذية التي منشؤُها التراب، ثم خلقكم من نُطَف أبويكم ذكرانا وإناثا ثم جعلكم أزواجًا - يتزوج الذكر منكم الأنثى - ليبقى النوع الإنساني إلى انقضاء الدنيا، وما تحمل من أنثى بعد مباشرة الزوج لها إلاَّ بعلم الله وتدبيره، وما يعطى أحد عمرا طويلًا يصير به معمرًا وما ينقص من عمر غيره، بأن يعطى عمرًا ناقصًا عن هذا المعمر إلَّا ثابتا في كتاب (١) إن ذلك على الله سهل يسير، فكذلك البعث والنشور.
ولابن عباس في تفسير الآية رأى غير ما تقدم يرويه عنه سعيد بن جُبير، وهو أن المعنى: "وما يعمر من معمر إلاَّ كتب عمره كم هو سنة، كم هو شهرًا، كم هو يومًا، كم هو ساعة، ثم يكتب تحته، أو في كتاب آخر، نقص من عمره يوم، نقص من عمره شهر، نقصت سنة، حتى يستوفى أجله، فما مضى من عمره فهو النقصان، وما يستقبله فهو الذي يعمره" وقد شارك ابن عباس في رأيه هذا ابن جُبير وأبو مالك وحسان بن عطية والسُّدِّي، كما ذكره الآلوسي، وابن كثير..
ولكن جعل الآية شاملة لطويل العمر وقصيره أولى من قصرها على المعمر فقط، فإن كليهما مكتوب عند الله - تعالى -.
١٢ - ﴿وَمَا يَسْتَوِي الْبَحْرَانِ هَذَا عَذْبٌ فُرَاتٌ سَائِغٌ شَرَابُهُ وَهَذَا مِلْحٌ أُجَاجٌ وَمِنْ كُلٍّ تَأْكُلُونَ لَحْمًا طَرِيًّا وَتَسْتَخْرِجُونَ حِلْيَةً تَلْبَسُونَهَا وَتَرَى الْفُلْكَ فِيهِ مَوَاخِرَ لِتَبْتَغُوا مِنْ فَضْلِهِ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ﴾: