ثم انتقلت الآيات إلى عرض صور من مظاهر قدرة الله، ومشاهد حكمته، التي تصرف بها في ملكوت السموات والأرض، وتصنيف النبات، وتسخير الأَفلاك، وتفجير الأَنهار والبحار وتسيير الفلك لنقل الأَحمال والأَثقال، وغير هذا مما تتجلى فيه آيات القدرة، وبدائع الصنعة.
وتنتهى الآيات من هذا إلى غرض يكاد يكون المقصود الأول في سياق السورة وهو البعث ومصائر الخلق بعده، فأَصحاب الجنة في شغل فاكهون، هم وأَزواجهم في ظلال على الأَرائك متكئون، وأَهل الشرك يدفعون إلى الجحيم ﴿هَذِهِ جَهَنَّمُ الَّتِي كُنْتُمْ تُوعَدُون، اصْلَوْهَا الْيَوْمَ بِمَا كُنْتُمْ تَكْفُرُونَ﴾ ويختم الله على أفواههم.
ثم تعود الآيات إلى مثل ما بدأت من صدق رسالة الرسول، وتنزه قوله عن اللغو لتخلص منه إلى تعداد أَلوان من القدرة تتمثل في خلق الأَنعام وتذليلها، والانتفاع بها وبخيراتها وإنتاجها، وبغير ذلك ممَّا لا يتأتَّى منه شىءٌ من آلهة المشركين المزعومة، وتأْتي في هذا على أَعظم ما تتجلى عنه قدرة الله من خلق الإِنسان من ماءٍ مهينٍ، ثم تسويته إنسانًا سويًّا، وخصمًا مبينا، وتنعى عليه نسيان أَصله، وغفلة عقله حين يستبعد العودة إلى الحياة بالبعث، وخلق العظام وهي رميم، وتقرر أَن الله الذي خلقها أَول مرة هو القادر على إحيائها، فقد عرفوا أَنه قادر على أن يجعله من الشجر الأخضر نارًا مضطرمة، وعلى خلق السموات والأرض، فلا يعجزه أَن يعيد خلق الإِنسان، فهو الذي يبدأ الخلق ثم يعيده وهو أَهون عليه؛ لأَن أَمره إذا أَراد شيئًا أن يقول له كن فيكون، فسبحان الذي بيده ملكوت كل شيءٍ وإليه ترجعون.
وهكذا تدور السورة في تجلية البعث في صور مختلفة تقطع على كل منكر حجته، وتؤَكد لكل عاقل حقيقته.


الصفحة التالية
Icon