وفي قوله تعالى: ﴿وَمَا أَنْزَلْنَا عَلَى قَوْمِهِ مِنْ بَعْدِهِ مِنْ جُنْدٍ مِنَ السَّمَاءِ وَمَا كُنَّا مُنْزِلِينَ﴾: يخبر الله - تعالى - أَنه انتقم من قومه بعد قتلهم إيّاه، غضبا منه عليهم، لأَنهم كذبوا رسله وقتلوا وليّه، ويذكر - عَزَّ وَجَلَّ - أَنه ما أَنزل على قومه ملائكة لإهلاكهم، بل كان الأمر أيسر من ذلك، ومعنى قوله تعالى: ﴿وَمَا كُنَّا مُنْزِلِينَ﴾ أَي: وما ينبغي في حكمتنا أَن ننزل في إهلاك قوم هذا الرجل - الذي يسميه كثير من المفسرين حبيبا - ما ينبغي في حكمتنا أَن ننزل جندا من السماء؛ لأَن الله - تعالى - أَجرى هلاك كل قوم على بعض الوجوه دون بعض بناءً على ما اقتضته الحكمة، ألا ترى إِلى قوله - تعالى -: ﴿فَمِنْهُمْ مَنْ أَرْسَلْنَا عَلَيْهِ حَاصِبًا وَمِنْهُمْ مَنْ أَخَذَتْهُ الصَّيْحَةُ وَمِنْهُمْ مَنْ خَسَفْنَا بِهِ الْأَرْضَ وَمِنْهُمْ مَنْ أَغْرَقْنَا﴾ (١) وكأنه أَشار بقوله: ﴿وَمَا أَنْزَلْنَا﴾. ﴿وَمَا كُنَّا مُنْزِلِينَ﴾ إِلى أَن إنزال الجنود من السماء من عظائم الأُمور ولا يليق إِنزالها إلا من أَجلك يا محمد، كما حدث في غزوتي بدر والخندق انتصارا لك من قومك، وما كان ينبغي أَن نفعل ذلك من أجل غيرك.
٢٩ - ﴿إِنْ كَانَتْ إِلَّا صَيْحَةً وَاحِدَةً فَإِذَا هُمْ خَامِدُونَ﴾:
أَي: ما كان إهلاكهم وعقوبتهم إلا بصيحة واحدة أَرسلناها عليهم فإذا هم ساكنون سكون الميت كالنار الخامدة، وفي ذلك تحقير لهم وتقليل لشأنهم، روى أَن الله - تعالي - بعث عليهم جبريل فصاح بهم صيحة فماتوا، ذكره الآلوسي وغيره، وفي التعبير بإذا الفجائية في قوله - تعالى -: ﴿فَإِذَا هُمْ خَامِدُونَ﴾ ما يشير إِلى سرعة هلاكهم بحيث كان مع الصيحة.
ولقد ذكر بعض المفسرين أَن هذه القرية التي أَهلك الله أَهلها (أنطاكية) كما تقدم ذكره، ويرى ابن كثير أَنَّ أهل (أنطاكية) (٢) كانوا أَول أَهل بلد آمن بالمسيح
(٢) أنطاكية في القاموس بدون تشديد الياء وفي هامشه بتشديدها.