والمراد هنا الأول، وتنكيره للتعظيم، كأَنه شغل لا يدرك كُنْهُه، والمراد به ما هم فيه من النعيم الذي شغلهم عن كل ما سواه، وما ظنك بشغل مَنْ سعد بدخول الجنة التي هي دار المتقين، ووصل إلى نيل تلك الغبطة وذلك الخير الكثير والنعيم المقيم، وتمتع بتلك الملاذ التي أعدها الله للمرتَضَيْنَ من عباده، ثوابا لهم على أَعمالهم مع كرامة وتعظيم.
وعن ابن كيسان: الشغل: التزاور وضيافة الله. ﴿فَاكِهُونَ﴾ متلذذون فرحون معجبون بما أكرمهم الله به، والفاكِهُ والفَكِهُ: المتنعم المتلذذ، ومنه الفاكهة لأنها مما يتلذذ بها، وكذلك الفكاهة التي هي المِزاحة.
٥٦ - ﴿هُمْ وَأَزْوَاجُهُمْ في ظِلَالٍ عَلَى الْأَرَائِكِ مُتَّكِئُونَ﴾:
استئناف مسوق لبيان كيفية شغلهم وتفكههم وتكميلها بما يزيدهم بهجة وسرورا من مشاركة أزواجهم لهم في ذلك الشغل والتفكه والاتكاءِ على الأرائك تحت الظلال، فهم وأزواجهم في ظلال، جمع ظُلَّة أو ظِلّ، وفسر الإِمام الظل بالوقاية عن مظان الألم، ولأهل الجنة من ظل الله - تعالى - ما يقيهم كل سوء وألم، والجمع (في ظلال) باعتبار ما لكل واحد منهم من ذلك، أو هو متعدد للشخص الواحد باعتبار تعدد ما منه الوقاية.
ويجوز حمل الظلال على القوة والمنعة، كما يجوز حمله على الستور التي تكون فوق الرأس من سقف وشجر ونحوها، ووجود ذلك في الجنة مما لا شبهة فيه، فقد جاء في الكتاب وصح في السنة: أَن فيها غرفًا، وجاءَ فيها أيضًا ما هو ظاهر في أَن فيها شجرًا يظل من تحته، وقد صح من رواية الشيخين أنه - ﷺ - قال: "إن في الجنة شجرةً يسيرُ الراكبُ في ظلها مائة عام لا يقطعها، فاقرءُوا إن شئتم: (وظِلٍّ ممدودٍ) " (١).
وابن الأثير يقول: في ظلها في ذراها وناحيتها، وهذا الرأي لدفع أنها تظلُّ من الشمس لأنه لا شمس في الجنة، والقول في الآراء السابقة كذلك في أنها لا تظل من الشمس، إذ لا شمس فيها.

(١) سورة الواقعة، الآية: ٣٠.


الصفحة التالية
Icon