من الجن - أقبلوا - يتخاصمون، أي: يسأَل بعضهم بعضا بطريق الخصومة والجدال، ويوبخه في أنه أصله وفتح له بابا واسعا من المعصية.
٢٨ - ﴿قَالُوا إِنَّكُمْ كُنْتُمْ تَأْتُونَنَا عَنِ الْيَمِينِ﴾:
استئناف بياني، كأنه قيل: كيف يتساءلون؟ فقيل: قالوا - أي الأتباع للرؤساء أو الكل للقرناء -: ﴿إِنَّكُمْ كُنْتُمْ تَأْتُونَنَا عَنِ الْيَمِينِ﴾.
والمعنى: إنكم كنتم تأْتوننا في الدنيا عن اليمين، أي: عن اليمن والخير، وتزعمون لنا أن ما أنتم عليه خيرٌ ودين حق، فترغبوننا فيه، وتهونون علينا أمر شريعة الحق، وتنفروننا منها، فتبعناكم فهلكنا، ولشرف اليمين جاهلية وإسلاما، دنيا وأخرى، استعيرت لجهة الخير.
أو: تأْئوننا عن اليمين بمعنى القوة والقهر، واليمين تستعمل مجازًا عن القوة؛ لأن بها يقع البطش، أي: إنكم تحملوننا على الضلال وتقسروننا عليه.
أو: تأتوننا عن اليمين بمعنى الحلف. بمعنى أنهم كانوا يوالونهم مقسمين عليهم بأن ما هم عليه من الكفر هو الحق الذي يجب اتباعه.
٢٩ - ﴿قَالُوا بَلْ لَمْ تَكُونُوا مُؤْمِنِينَ﴾:
استئناف، أي: قال الرؤساء أو القرناء - في جوابهم بطريق الإضراب -: بل أبيتم أَنتم الإيمان وأعرضتم عنه، فأنتم لم تكونوا مستعدين للإيمان، حيث أعرضتم عنه مع تمكنكم منه، مختارين غير ملجئين. وآثرتم عليه الكفر، فلم تكونوا قابلين للايمان قط حتى ننقلكم من استعدادكم للإيمان إلى الكفر بل كنتم على الكفر فأَقمتم عليه متمسكين به للإلف والعادة.
٣٠ - ﴿وَمَا كَانَ لَنَا عَلَيْكُمْ مِنْ سُلْطَانٍ بَلْ كُنْتُمْ قَوْمًا طَاغِينَ﴾:
أي: وما كان لنا عليكم مع قهر وتسلط، أو حجة على ترك الحق نسلبكم بهما اختياركم، وتمكنكم من الإيمان، بل كنتم وفق طبيعتكم قوما مجاوزين الحد في العصيان،


الصفحة التالية
Icon