والسلام - وإنما يملك الرحمة وخزائنها العزيز القاهر على خلقه، الوهاب الكثير العطايا المصيب بها مواقعها. الذي يقسِّمها على ما تقتضيه حكمته، يعطي - سبحانه - ما يريد لمن يريد، وفي هذا إشارة إلى أن النبوّة هبة ربَّانيَّة ومنحة إِلهيَّة ليس لأَحد من خلقه شأْن فيها.
١٠ - ﴿أَمْ لَهُمْ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا فَلْيَرْتَقُوا فِي الْأَسْبَابِ﴾:
أَي: بل ألَهم ملك هذه الأَجرام العلويَّة، والأَجسام السفليَّة حتى يتكلموا في الأُمور الربانية، ويتحكَّموا في التدابير الإلهية التي يستأْثر بها رب العزة والكبرياء، فإن كان لهم ما ذكر من الملك فليصعدوا في المعارج، وليتدرَّجوا في المراقي والمناهج التي يُتَّصل بها إلى السموات، فليدبَّروها وليتصرَّفوا فيها ويعطوا النبوة لمن شاءوا.
وقال الزمخشري ومتابعوه: أَي: فليصعدوا في المعارج والطرق التي يُتوصَّل بها إلى العرش حتى يستولوا عليه، ويدبِّروا أمر العالم وملكوت الله - تعالى - وينزلوا الوحي على محمَّد، وهذا أمر توبيخ وتعجيز.
ثم وعد نبيَّه النصر عليهم فقال:
١١ - ﴿جُنْدٌ مَا هُنَالِكَ مَهْزُومٌ مِنَ الْأَحْزَابِ﴾:
أَي: هم جند حقير مقْمُوع (١) ذليل قد انقطعت حُجَّتهم فقالوا ما قالوا، والكلام مرتبط بما قبل ﴿بَلِ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي عِزَّةٍ وَشِقَاقٍ﴾ أَي: هم جند حقير من الأحزاب الذين تحزَّبوا على المرسلين فاستأَصلناهم، فلا تهمنك عزتهم وشقاقهم فإني أهزم جمعهم وأسلب عزَّهم، وهذا إِيناس للرسول - ﷺ - وقد فعل بهم هذا في يوم بدر، قال قتادة: وعدهم الله أنَّه سيهزمهم وهم بمكة فجاء تأْويلها يوم بدر.

(١) قمعه - كمنعه -: ضربه وقهره وذلّله، والمقموع: المقهور. اهـ: الغاموس.


الصفحة التالية
Icon