على أعمالهم ويجازيهم عليها، وهم مع إيمانهم هنا قد عملوا الأعمال المرضية والأفعال الصالحة التي تحفظ عليهم إيمانهم من أن يتسرب إليه وهن، أو يصيبه ضعف، وزيادة في مواساة هذا المظلوم بين له - عليه الصلاة والسلام - أن هؤلاء المؤمنين الصالحين في قلة قليلة ﴿وَقَلِيلٌ مَا هُمْ﴾ أي: ليس شأنك مع خليطك بالأمر الذي لا يماثله أمر، بل أنه جرى على أكثر ما يفعله الخلطاء من غبن وجور. ﴿وَظَنَّ دَاوُودُ أَنَّمَا فَتَنَّاهُ فَاسْتَغْفَرَ رَبَّهُ وَخَرَّ رَاكِعًا وَأَنَابَ﴾ علم داود - عليه السلام - بدلائل لاحت له أن الله قد امتحنه وابتلاه وظهر له أنه فعل أمرا كان أولى به وأجدر ألا يفعله؛ فهو نبي ورسول، فطلب من الله أن يغفر ذنبه ويصفح عنه وهوى ساجدًا وخاشعًا لعظمة ربه معترفًا بذنبه منيبًا لبارئه وخالقه ﴿فَغَفَرْنَا لَهُ ذَلِكَ وَإِنَّ لَهُ عِنْدَنَا لَزُلْفَى وَحُسْنَ مَآبٍ﴾ فقبل الله منه - عليه السلام - توبته وإن له عند ربه لمنزلة ومكانة يزلفه بها ويدنيه من رحمته، وإن له مآبا حسنًا ومرجعًا كريما في الآخرة عند مليك مقتدر.
وقد مضت الآيات السابقة دون ما إشارة إلى الذنب الذي وقع فيه داود فاستغفر ربه منه، وقد كثر الكلام حول هذا الموضوع، وتعددت الآثار الواردة فيه، ومنها:
ما قيل من أن نبي الله داود رأى امرأة أحد جنوده فوقعت من نفسه فأرسل إلى قائده أن يقع هذا الجندي على التابوت، وكان من يقدم على التابوت لا يحل له أن يرجع حتى يفتح الله على يديه أو يستشهد ففتح الله على يدي هذا الجندى وسلم من القتل فرده مرة أخرى وثالثة حتى قتل، فم يحزن عليه، وتزوج امرأته.
وهذه الرواية عليها مسحة اليهود النين دأبوا على النيل من الأنبياء والحط من شأْنهم فإن ما ينسب إلى نبى الله داود يقبح أن ينسب إلى بعض المعروفين بالصلاح من آحاد الناس وعامتهم، فكيف يسوغ أن ينسب إلى أحد الأَنبياء كداود - عليه السلام - فعن سعيد بن المسيب والحارث الأعور أن علي بن أبي طالب - رضي الله عنه وكرم الله وجهه - قال: "من حدثكم بحديث داود على ما يرويه القصاص جلدته مائة وستين جلدة" وهو حد القذف في حق الأنبياء - عليهم الصلاة والسلام - كما روى أنه حُدِّث بذلك عمر بن عبد العزيز وعنده رجل من أهل الحق فكذب المحدث به وقال: إن كانت القصة


الصفحة التالية
Icon