صَلَوَاتٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ} (١).
أو اذكر قصته - عليه السلام - في نفسك لتكون عونا لك على الصبر على مما تلاقيه وتكابده من هؤلاء الضالين المعاندين المشركين - اذكر - أن الشيطان قد وسوس له ليثنيه عن يقينه وينال من طمأنينة قلبه بما يلح في الوسوسة ودعوة أيوب إلى القنوط واليأس من رحمة وبه، وكان هذا الأمر قاسيا وشديدا على أيوب مع مرضه وعلته، فضلا عن تسلط الشيطان على أتباعه حتى فتن بعضهم في دينه، ورده إلى الكفر بعد أن غرس في نفوسهم أن الأنبياء لا يبتلون ولا يمرضون، وأن أيوب ما دام قد أصابه المرض ومسه الضر فليس بني ولا رسول، كما تسلط ذلك اللعين على آخرين حتى قالوا: ما ابتلى الله أيوب إلا لذنب أصاب أو جريمة اقترف، فكان أيوب يعاني من مشقة تسلط الشيطان عليه بالوسوسة بالقنوط من رحمة الله، كما يعاني ويتألم لفتنة أتباعه وتفرقهم عنه وتشككهم في رسالته.
وكان أيوب - عليه السلام - في قمة الأدب مع ربه فجاء هنا حكاية عنه قوله - تعالى -: ﴿أَنِّي مَسَّنِيَ الشَّيْطَانُ بِنُصْبٍ وَعَذَابٍ﴾ وجاء فى سورة الأنبياء قوله - تعالى - ﴿أَنِّي مَسَّنِيَ الضُّرُّ وَأَنْتَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ﴾ (٢) فلم يزد - عليه السلام - أن نادى ربه وبسط شكاته فحسب، وفوض أمره إلى ربه راضيا بما يقضيه فيه، وما يقَدَّر عليه، فلطف به - سبحانه - واستجاب إلى ما تتوق إليه نفسه ويطمئن به قلبه من أن يذهب مرضه الذي أتعبه ونال من جسمه وحط من قوته، وأن يصرف الشيطان عنه وإن كان لا ينال من عقيدة الأنبياء ولا من عباد الله الصالحين.
٤٢ - ﴿ارْكُضْ بِرِجْلِكَ هَذَا مُغْتَسَلٌ بَارِدٌ وَشَرَابٌ﴾:
أمره - تعالى - أن يضرب الأرض برجله ضربا قويا بقوله: ﴿ارْكُضْ بِرِجْلِكَ﴾ فامتثل وضربها فنبعت عين، فقال له - سبحانه -: ﴿هَذَا مُغْتَسَلٌ بَارِدٌ وَشَرَابٌ﴾ فاغتسل - عليه السلام - فذهب سقمه وصح بدنه وشرب فأطفأَ ظمأَه.

(١) سورة: البقرة، الآية: ١٥٧.
(٢) سورة الأنبياء، من الآية: ٨٣.


الصفحة التالية
Icon