يطرده الله من الجنة لكبريائه وإبائه تنفيذ أمر الله بالسجود لآدم، فقد كان يعبد الله - تعالى - مع الملائكة قبل غضب الله عليه، والاختصام الذي وقع من إبليس قوله لله تعالى: ﴿أَأَسْجُدُ لِمَنْ خَلَقْتَ طِينًا﴾ (١).
وما ترتب على طرده من الجنة، من وعيده لآدم وذريته بالإغواء فيما حكاه الله - تعالى - في سورة الأعراف بقوله: ﴿قَالَ فَبِمَا أَغْوَيْتَنِي لَأَقْعُدَنَّ لَهُمْ صِرَاطَكَ الْمُسْتَقِيمَ (١٦) ثُمَّ لَآتِيَنَّهُمْ مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ وَمِنْ خَلْفِهِمْ وَعَنْ أَيْمَانِهِمْ وَعَنْ شَمَائِلِهِمْ وَلَا تَجِدُ أَكْثَرَهُمْ شَاكِرِينَ﴾ إلى غير ذلك من سائر قصته.
والاختصام الذي وقع من آدم هو إنباء الملائكة بأسماء المسميات المختلفة التي علمه الله إياها، بعد أن عجزت الملائكة عن معرفتها بقولهم: ﴿سُبْحَانَكَ لَا عِلْمَ لَنَا إِلَّا مَا عَلَّمْتَنَا إِنَّكَ أَنْتَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ﴾ (٢).
ويلخص ابن كثير قصة آدم مع الملائكة وإبليس تعليقا على ما جاء في هذه الآيات بشأنها فيقول ما يلي:
هذه القصة ذكرها الله - تعالى - في سورة "البقرة" وفي أول "الأعراف"، وفي سورة "الحجر، وسبحان، والكهف" وها هنا، وهي أن الله - سبحانه - أعلم الملائكة قبل خلق آدم - عليه السلام - بأنه - سبحانه - سيخلق بشرًا من صلصال من حمأ مسنون، وتقدم إليهم بالأمر متى فرغ من خلقه وتسويته أن يسجدوا له إكرامًا له وإعظامًا واحترامًا لأمر الله - عز وجل - فامتثل الملائكة سوى إبليس، ولم يكن منهم جنسًا، بل كان من الجن، فخانه طبعه وجبلته، فاستنكف عن السجود لآم، وخاصم ربه - عز وجل - فيه، وادعى أنه خير منه، فإنه مخلوق من نار، وآدم خلق من طين، والنار خير من الطين في زعمه، وقد أخطأ في ذلك وخالف أمر الله وكفر بذلك، فأبعده الله وأرغم أنفه، وطرده عن باب رحمته ومحلِّ أنسه وحضرةِ قدسه، وسماه إبليس إعلامًا له بأنه قد أبلس - أي: يئس - من
(٢) سورة البقرة، من الآية: ٣٢.