الرحمة، وأنزله من السماء مذمومًا مدحورًا إلى الأرض، فسأل الله النَّظِرَةَ إلى يوم البعث، فأنظره الحليم الذي لا يعجل على من عصاه، فلما أمن الهلاك إلى يوم القيامة تمرد وطغى وقال: ﴿فَبِعِزَّتِكَ لَأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ * إِلَّا عِبَادَكَ مِنْهُمُ الْمُخْلَصِينَ﴾ كما قال ﴿أَرَأَيْتَكَ هَذَا الَّذِي كَرَّمْتَ عَلَيَّ لَئِنْ أَخَّرْتَنِ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ لَأَحْتَنِكَنَّ ذُرِّيَّتَهُ إِلَّا قَلِيلًا﴾ (١) وهؤلاء المستثنون في الآية الأخرى، وهي قوله - تعالى -: ﴿إِنَّ عِبَادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطَانٌ وَكَفَى بِرَبِّكَ وَكِيلًا﴾ (٢). انتهى مع تصرف يسير.
وقال البيضاوى: أن قصة آدم اختصرت في هذه السورة اكتفاء بما مر في سورة البقرة، واقتصارًا على ما هو المقصود منها، وهو إنذار المشركين على استكبارهم على النبي - ﷺ - بمثل ما حاق بإبليس على استكباره على آدم - عليه السلام - ومن - الجائز أن تكون مقاولة الله - تعالى - إياهم بواسطة ملك، وأن يفسر الملأ الأعلى بما يعم الله والملائكة. انتهى بتصرف يسير.
وإضافة الروح إلى الله - تعالى - في قوله: ﴿وَنَفَخْتُ فِيهِ مِنْ رُوحِي﴾ من إضافة المملوك إلى مالكه، وليس المقصود أنه جزء من روح الله تعالى، بل المقصود تشريف الروح التي أفاضها الله على آدم وخلقها له، وقد كفر النصارى في تفسير إضافة روح عيسى إلى الله - تعالى - في كتبهم، بأنه جزء من روح الله، فوصفوه بأنه ابن الله لذلك، ثم تمادوا وتطاودوا فجعلوه هو الله - تعالى - وهم يجادلون المسلمين فيما جاء بالقرآن من نحو قوله - تعالى -: ﴿وَالَّتِي أَحْصَنَتْ فَرْجَهَا فَنَفَخْنَا فِيهَا مِنْ رُوحِنَا﴾ (٣). وقد ضلوا بذلك سواء السبيل، فإن معنى الآية: فنفخنا فيها مبتدئين النفخ من روحنا وهو جبريل - عليه السلام - بدليل قوله - تعالى -: ﴿فَأَرْسَلْنَا إِلَيْهَا رُوحَنَا فَتَمَثَّلَ لَهَا بَشَرًا سَوِيًّا﴾ (٤)، وهو الذي سماه الله في القرآن الروح الأمين في قوله تعالى: ﴿نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الْأَمِينُ * عَلَى قَلْبِكَ لِتَكُونَ مِنَ الْمُنْذِرِينَ﴾ (٥).
(٢) سورة الإسراء: آية: ٦٥.
(٣) سورة الأنبياء، من الآية: ٩١.
(٤) سورة مريم، من الآية: ١٧.
(٥) سورة الشعراء، الآيتان: ١٩٣ - ١٩٤.