فالصيف، فالخريف، فالشتاء، لمصلحة الإنسان والحيوان والنبات، وهذا الجريان لأجل سماه الله - تعالى - لانتهاء دورة كل منهما في مداره، أو لانقطاع حركته عند فناء العالم، ألا هو العزيز القادر على عقاب المصرين على الكفر والمعاصي، الغفار لمن تاب وآمن وعمل صالحا.
٦ - ﴿خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ ثُمَّ جَعَلَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَأَنْزَلَ لَكُمْ مِنَ الْأَنْعَامِ ثَمَانِيَةَ أَزْوَاجٍ يَخْلُقُكُمْ فِي بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ خَلْقًا مِنْ بَعْدِ خَلْقٍ فِي ظُلُمَاتٍ ثَلَاثٍ ذَلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمْ لَهُ الْمُلْكُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ فَأَنَّى تُصْرَفُونَ﴾:
وهذا دليل آخر على وحدانية الله وقهره لسواه، وترك عطفه على خلق السموات والأرض، للإيذان باستقلاله في الدلالة على وجود الله وسائر كمالاته.
والمراد بالنفس الواحدة التي خلقنا منها: نفس آدم - عليه السلام - فقد خلقت منه زوجه، ثم حدث التوالد بعد ذلك على النحو المعلوم، وبدأ بخلق الإنسان؛ لأنه أقرب وأعجب بالنسبة إلى غيره، باعتبار ما فيه من العقل وقبول الأمانة الإلهية وغير ذلك حتى قيل فيه:
وتزعم أنك جسم صغير... وفيك انطوى العالم الأكبر
واختلف في معنى خلق حواء من آدم، فمعظم العلماء على أنها خلقت من قصيرى ضلعه اليسرى وهي أسفل الأضلاع، وقيل: إنه بمعنى أنها خلقت من جنسه ليسكن إليها، وقيل: إنها خلقت من بقية طينته، والله أعلم.
وأما قوله تعالى: ﴿وَأَنْزَلَ لَكُمْ مِنَ الْأَنْعَامِ ثَمَانِيَةَ أَزْوَاجٍ﴾ فهو استدلال بنوع آخر من العالم السفلى، والأنعام هي: الإبل، والبقر، والضأن، والمعز، وكانت ثمانية أزواج أي: أصناف، باعتبار الذكر والأُنثى في كل منها، وفي ذلك يقول الله في سورة الأنعام: ﴿ثَمَانِيَةَ أَزْوَاجٍ مِنَ الضَّأْنِ اثْنَيْنِ وَمِنَ الْمَعْزِ اثْنَيْنِ﴾ ثم قال: ﴿وَمِنَ الْإِبِلِ اثْنَيْنِ وَمِنَ الْبَقَرِ اثْنَيْنِ﴾ (١)، ومعنى إنزال هذه الأنعام الثمانية قضاؤها، وإنزال الملائكة لتنفيذه، فالكلام على سبيل المجاز.

(١) سورة الأنعام الآيتين: ١٤٣ - ١٤٤.


الصفحة التالية
Icon