بفتنتها، أو يجزمون بأن من قدر على إنزال الماء من السماء وإجرائه في ينابيع الأرض قادر على إجراء الأنهار من تحت الغرف في الجنة.
٢٢ - ﴿أَفَمَنْ شَرَحَ اللَّهُ صَدْرَهُ لِلْإِسْلَامِ فَهُوَ عَلَى نُورٍ مِنْ رَبِّهِ فَوَيْلٌ لِلْقَاسِيَةِ قُلُوبُهُمْ مِنْ ذِكْرِ اللَّهِ أُولَئِكَ فِي ضَلَالٍ مُبِينٍ﴾:
استئناف جار مجرى التعليل لما قبله من تخصيص الذكرى بأولي الألباب.
فالصدر محل للقلب الذي هو منبع الروح، وانشراحه مستدع لاتساع القلب واستضاءته بنور الله.
والمعنى: أكلُّ الناس سواء؟ فمن شرح الله صدره واهتدى. أي: خلقه متسع الصدر مستعدا للإسلام فبقى على الفطرة الأصلية، ولم يتغير بالعوارض السيئة المكتسبة ﴿فَهُوَ عَلَى نُورٍ مِنْ رَبِّهِ﴾ أي: فهو بموجب ذلك مستقر على نور عظيم من ربه، وهو اللطيف الإلهي الفائض عليه عند مشاهده الآيات الكونية والتنزيلية والتوفيق بها إلى الاهتداء إلى الحق. وسئل رسول الله عن الشرح فقال: (إذا دخل النورُ القلبَ انشرح وانفتح. فقيل: هل لذلك من علامة؟ قال: نعم، الإنابة إلى دار الخلود، والتجافي عن دار الغرور، والاستعداد للموت قبل نزول الموت).
أفمن شرح الله صدره للإسلام كمن قسا قلبه وحرج صدره بسبب تبديل فطرة الله بسوء اختياره، وقد استولت عليه ظلمات الغي والضلالة فأعرض عن الآيات بالكلية حتى لا يتذكر بها ولا يغتنمها.
﴿فَوَيْلٌ لِلْقَاسِيَةِ قُلُوبُهُمْ مِنْ ذِكْرِ اللَّهِ﴾ أي: من أجل ذكر الله الذي حقه أن تلين منه القلوب بمعنى: أنهم إذا ذكر الله عندهم أو آياته - عَزَّ وَجَلَّ - اشمأزوا من ذلك وزادت قلوبهم قساوة كقوله: ﴿فَزَادَتْهُمْ رِجْسًا إِلَى رِجْسِهِمْ﴾ وكانوا أهلا للويل وسوء المصير.
وأسند الشرح إلى الله - تعالى - إيذانا بأنه على أتم الوجوه؛ لأنه فعل قادر حكيم، وقابله بالقساوة مع أن مقتضى المقابلة أن يقابل بالضيق؛ لأن القساوة كما في الصخرة الصماء تقتضى عدم قبول شيء بخلاف الضيق فإنه يشعر بقبول شيء قليل، وذلك غير مقصود.


الصفحة التالية
Icon