وصدرت هذه الآية بالفاء دون الواو لترتبها على حال سابقة من مناقضتهم، وتعكيسهم في التسبب حيث يشمئزون إذا ذكر الله وحده، ويستبشرون بذكر آلهتهم مع الله أو فرادى فإذا مسهم ضر دعوا من اشمأزوا من ذكره وضاقوا باسمه دون من استبشروا بذكره وهشُّوا له.
٥٠ - ﴿قَدْ قَالَهَا الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَمَا أَغْنَى عَنْهُمْ مَا كَانُوا يَكْسِبُونَ﴾:
أي: قد قال هذه المقالة وهي: ﴿إِنَّمَا أُوتِيتُهُ عَلَى عِلْمٍ﴾ الذين تقدموهم، وسبقوا أيامهم وأزمانهم، فلم تكن مقالتهم بدعًا، ولا كفرهم حدثًا - قال هذه المقالة: قارون موسى الذي آتاه الله من الكنوز ما إن مفاتحه لتنوء بالعصبة أولى القوة، فلما طلب منه أن يبتغى الدار الآخرة مع دنياه اعترافًا للمنعم، وشكرًا للنعمة ﴿قَالَ إِنَّمَا أُوتِيتُهُ عَلَى عِلْمٍ عِنْدِي﴾ (١).
وقالها فرعون تألُّهًا وتجبُّرًا: ﴿أَلَيْسَ لِي مُلْكُ مِصْرَ وَهَذِهِ الْأَنْهَارُ تَجْرِي مِنْ تَحْتِي﴾ (٢) وتطاول على مقام النبوَّة فقال في شأن موسى - عليه السلام -: ﴿أَمْ أَنَا خَيْرٌ مِنْ هَذَا الَّذِي هُوَ مَهِينٌ وَلَا يَكَادُ يُبِينُ﴾ (٣).
وقال النمرود في محاجة إبراهيم - عليه السلام -: ﴿أَنَا أُحْيِي وَأُمِيتُ﴾ (٤). وهكذا كانت النعم على طول الزمن سبيلًا للإنسان إلى التجبر والطغيان. وصدق الله العظيم إذ يقول: ﴿كَلَّا إِنَّ الْإِنْسَانَ لَيَطْغَى. أَنْ رَآهُ اسْتَغْنَى﴾ (٥)، وقوله تعالى: ﴿فَمَا أَغْنَى عَنْهُمْ مَا كَانُوا يَكْسِبُونَ﴾ معناه: فما دفع عنهم ولا أفادهم ما كانوا يجمعونه في الدنيا، ويحرصون على كسبه، ما أغنى عنهم ذلك ولا دفع ما نزل بهم من العذاب، مما ينبىء عنه قوله تعالى:
٥١ - ﴿فَأَصَابَهُمْ سَيِّئَاتُ مَا كَسَبُوا وَالَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْ هَؤُلَاءِ سَيُصِيبُهُمْ سَيِّئَاتُ مَا كَسَبُوا وَمَا هُمْ بِمُعْجِزِينَ﴾:
والمعنى: فأصاب هؤلاء جزاء سيئات ما كسبوه، فأغرق الله فرعون وجنوده، وخسف بقارون وبداره الأرض، والذين أفرطوا في الظلم من هؤلاء المشركين، وأسرفوا في العباد

(١) سورة القصص من الآية: ٧٨.
(٢)، (٣) سورة الزخرف الآيتان: ٥١، ٥٢.
(٤) سورة البقرة من الآية: ٢٥٨.
(٥) سورة العلق الآيتان: ٦، ٧.


الصفحة التالية
Icon