لأحد ردّه، وذلك هو يوم القيامة، ويوم إذ يجيءُ بتفرق الناس إلى فريق في الجنة، وفريق في السعير، وقيل: يتفرقون تفرُّق الأشخاص، على ما ورد في قوله - تعالى -: ﴿يَوْمَ يَكُونُ النَّاسُ كَالْفَرَاشِ الْمَبْثُوثِ﴾ (١) ورجح هذا بأَنه المناسب، لأن الناس من هول ذلك اليوم يكونون منتشرين حيارى هائمين لا يدرون ماذا يصنعون، ولا ما يصنع بهم.
٤٤ - ﴿مَنْ كَفَرَ فَعَلَيْهِ كُفْرُهُ وَمَنْ عَمِلَ صَالِحًا فَلِأَنْفُسِهِمْ يَمْهَدُونَ﴾:
أي: كل من كفر فعليه وبال كفره بأن يصليه الله نار جهنم خالدًا فيها، لا يموت ولا يحيا، وكل من عمل صالحًا فلأنفسهم يمهدون ويُعدون مَنزلًا في الجنة يتخذونه مستقرًّا ومقامًا، شأْنهم في ذلك شأْن من يمهده لنفسه ويوطئه، لئلا يصيبه في مضجعه ما يؤذيه من نتوءٍ أو قضض (٢) ونحوهما، وجمع الضمير في قوله: ﴿فَلِأَنْفُسِهِمْ يَمْهَدُونَ﴾ باعتبار معنى ﴿مَنْ﴾ ويروى ابن أبي نجيح عن مجاهد في تفسير: ﴿فَلِأَنْفُسِهِمْ يَمْهَدُونَ﴾ قال: في القبر، والظاهر أن هذه التوطئة لما بعد الموت في القبر وغيره.
وتقديم الجار والمجرور في الموضعين للدلالة على أن ضرر الكفر لا يعود إلاَّ على الكافر، ومنفعة الإيمان والعمل الصالح ترجع إلى المؤمن لا تجاوزه.
٤٥ - ﴿لِيَجْزِيَ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ مِنْ فَضْلِهِ إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْكَافِرِينَ﴾:
متعلق بيمهدون علة له، أي: يمهدون لأنفسهم منزلًا وموئلا في الجنة، لأن الله يجزي الذين آمنوا وعملوا الصالحات على ما قدموا مجازاة الفضل: الحسنة بعشر أمثالها إلى سبعمائة ضعف إلى ما يشاء الله، إنه لا يحب الكافرين لكفرهم، فلذا أبعدهم عن رحمته وعاقبهم، وتفضل بحسن الجزاء على المؤمنين الصالحين.

(١) الآية رقم ٤ من سورة القارعة.
(٢) القضض: ما تفتت من الحصى.


الصفحة التالية
Icon