والمعنى: ويا قوم إني لأعجب من أمركم، فأخبرونى كيف هذه الحال التي أنتم معى عليها؟ أدعوكم إلى الخير، ومسالك النجاة ونعيم الجنة، وتدعوننى إلى الهلاك، ومهاوى الجحيم.
وفي ندائهم بيا قوم وتكرار ذلك مع كل نداء مزيد من التلطف معهم. والإشفاق عليهم، والتحنن في دعوتهم إلى ما فيه خيرهم ونجاتهم، لانتزاع شفقتهم وطاعتهم حتى ينزلوا على نصحه، ويستجيبوا لدعوته، ولا يتهموه كما فعل إبراهيم - عليه السلام - في نصح أبيه، حيث ناداه متلطفًا بقوله: ﴿يَا أَبَتِ﴾.
٤٢ - ﴿تَدْعُونَنِي لِأَكْفُرَ بِاللَّهِ وَأُشْرِكَ بِهِ مَا لَيْسَ لِي بِهِ عِلْمٌ وَأَنَا أَدْعُوكُمْ إِلَى الْعَزِيزِ الْغَفَّارِ﴾:
هذه الآية تفسير وبيان للآية السابقة، أي: تدعوننى لأُنكر وحدانية ربي، وأشرك به آلهة أخرى باطلة زائفة لم يقم دليل على ألوهيتها.
﴿وَأَنَا أَدْعُوكُمْ إِلَى الْعَزِيزِ الْغَفَّارِ﴾ معناه: وأنا أدعوكم إلى عبادة الإله القادر الغالب على أمره، الغفار لذنوب التائبين.
وخص هذان الوصفان: ﴿الْعَزِيزِ الْغَفَّارِ﴾ لاقتضائهما جميع الصفات، لما فيهما من الدلالة على الخوف والرجاء من الله، فإنهما مناسبان لحالهم.
٤٣ - ﴿لَا جَرَمَ أَنَّمَا تَدْعُونَنِي إِلَيْهِ لَيْسَ لَهُ دَعْوَةٌ فِي الدُّنْيَا وَلَا فِي الْآخِرَةِ وَأَنَّ مَرَدَّنَا إِلَى اللَّهِ وَأَنَّ الْمُسْرِفِينَ هُمْ أَصْحَابُ النَّارِ﴾:
لفظ (لا) في قوله: ﴿لَا جَرَمَ﴾ رد لما دعاه إليه قومه، وجرم بمعنى حق، وتقدم باقى الكلام عليها في المفردات.
والمعنى: حقَّ وثبت بطلان ما تدعوننى إلى عبادته من الأصنام، فليس لها دعوة ترجى في الدنيا ولا في الآخرة، فهي لا تضر ولا تنفع، وأن مرجعنا إلى الله الذي أدعوكم إلى عبادته وأن المسرفين بعبادة غيره هم أصحاب النار لا ينفكون عنها، ولا يخفف عنهم من عذابها.


الصفحة التالية
Icon