التفسير
٢٢ - ﴿وَمَا كُنْتُمْ تَسْتَتِرُونَ أَنْ يَشْهَدَ عَلَيْكُمْ سَمْعُكُمْ وَلَا أَبْصَارُكُمْ وَلَا جُلُودُكُمْ وَلَكِنْ ظَنَنْتُمْ أَنَّ اللَّهَ لَا يَعْلَمُ كَثِيرًا مِمَّا تَعْمَلُونَ﴾:
أَي: ما كان استتارهم واستخفاؤهم عندما كانوا يقارفون الموبقات والأَعمال القبيحة خوفا من أَن يشهد عليهم سمعهم وأَبصارهم وجلودهم، وذلك لأَنهم كانوا منكرين للبعث والقيامة، ولكن كان هذا التستر والاختفاءُ لأجل أَنهم كانوا يظنون أَن الله لا يعلم كثيرا من الأَعمال التي يقدمون عليها في خفية واستتار.
وعن ابن مسعود - رضى الله عنه - قال: كنت مستترا بأَستار الكعبة فدخل ثلاثة نفر عليَّ: ثقفيان وقرشى، فقال أَحدهم: أَترون الله يسمع ما تقولون، فقال الرجلان: إِذا سمعنا أَصواتنا سمع وإِلَّا لم يسمع، فذكرت ذلك لرسول الله - ﷺ - فنزل ﴿وَمَا كُنْتُمْ تَسْتَتِرُونَ﴾ أَخرجه البخاري ومسلم وغيرهما.
٢٣ - ﴿وَذَلِكُمْ ظَنُّكُمُ الَّذِي ظَنَنْتُمْ بِرَبِّكُمْ أَرْدَاكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ مِنَ الْخَاسِرِينَ﴾:
هذا نص صريح في أَن من ظن بالله - تعالى - أنه يخرج شيء من المعلومات عن علمه - سبحانه - فإنه يكون من الهالكين الخاسرين ﴿الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ وَأَهْلِيهِمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَلَا ذَلِكَ هُوَ الْخُسْرَانُ الْمُبِينُ﴾ (١).
قيل: والظن - قسمان: ظن حسن باللهِ - تعالى - وظن فاسد، وأَما الظن الحسن فهو أَن يظن به - سبحانه - الرحمة والفضل، قال - ﷺ - حكاية عن الله - عز وجل -:
"أَنا عندَ ظنِّ عبدى بِي" وقال - عليه الصلاة والسلام -: "لا يموتن أحدكم إلا وهو يحسنُ الظنَّ بالله" والظن الفاسد: هو أَن يظن بِاللهِ أَنه يَعْزُبُ ويغيب عن علمه بعض هذه الأَحوال، وقال قتادة: الظن نوعان: ظنٌّ مُنْجٍ، وظن مُرْدٍ. فالمنجى قوله:

(١) سورة الزمر من الآية: ١٥.


الصفحة التالية
Icon