نبه الله - سبحانه وتعالى - في الآيات السابقة إلى بعض دلائل قوته ومظاهر قدرته وعظمته ونعمته، وفي هذه الآية يشير إلى دليل آخر في نفس العبد على قدرته - تعالى - ليتدبره كما قال - تعالى -: ﴿وَفِي أَنْفُسِكُمْ أَفَلَا تُبْصِرُونَ﴾ (١).
وهذا الدليل هو تَنَقُّل الإنسان في أطوار مختلفة، من طور الضعف حين خلقه من النطفة بتحويلها وتطويرها، وإخراجه من بطن أمه ضعيفًا واهن القوى، ثم إمداده بالقوّة بعد الضعف، حيث يشتد قليلًا قليلًا حتى يصير شابًا قويّ البنيان، ثم يتحول إلى طور الضعف بعد القوة فتضعف الهمة والحركة والبطش، وتشيب اللمَّة، وتتغيَّر الصفات الظاهرة والباطنة.
يفعل الله ما يشاء ويتصرف في عبيده بما يريد، ومن جملة هذا ما ذكر من التَّقَلُّب بين الضَّعف والقوَّة، والشَّيبة، وهو العلم بتدبير خلقه القدير على إيجاد ما يريد.
وهذا التَّرديد في الأحوال المختلفة والتغيبر من هيئة إلى هيئة وصفة إلى صفة أظهر دليل وأعدل شاهد على الصانع القدير، العلم، الحكيم.
﴿وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ يُقْسِمُ الْمُجْرِمُونَ مَا لَبِثُوا غَيْرَ سَاعَةٍ كَذَلِكَ كَانُوا يُؤْفَكُونَ (٥٥) وَقَالَ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ وَالْإِيمَانَ لَقَدْ لَبِثْتُمْ فِي كِتَابِ اللَّهِ إِلَى يَوْمِ الْبَعْثِ فَهَذَا يَوْمُ الْبَعْثِ وَلَكِنَّكُمْ كُنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ (٥٦) فَيَوْمَئِذٍ لَا يَنْفَعُ الَّذِينَ ظَلَمُوا مَعْذِرَتُهُمْ وَلَا هُمْ يُسْتَعْتَبُونَ (٥٧)﴾