إليه، بغير بصيرة حيث يستبدل الضلال بالهدى والباطل بالحق، جهلًا منه بما هو عليه من إثم وما يرتكبه من جُرْم، ويتخذ آيات الله ووحيه سخرية - الذين يفعلون ذلك - لهم عذاب مُهين ومذل لهم، لما اتَّصفوا به من إهانتهم الحق بإيثار الباطل عليه، ودعوة الناس إليه. وقول الله - تعالى -: ﴿يَشْتَرِي﴾ في الآية: إما من الشِّراء المعروف على ما رُوى عن النَّضر بن الحرث من شِرائه كتب الأعاجم، أو نحو قوله - تعالى -: ﴿أُولَئِكَ الَّذِينَ اشْتَرَوُا الضَّلَالَةَ بِالْهُدَى﴾ (١): أي استبدلوا الكفر بالإيمان واختاروه عليه؛ وعن قتادة: اشتراؤُه: استحبابه، يختارون حديث الباطل على حديث الحق.
٧ - ﴿وَإِذَا تُتْلَى عَلَيْهِ آيَاتُنَا وَلَّى مُسْتَكْبِرًا كَأَنْ لَمْ يَسْمَعْهَا كَأَنَّ فِي أُذُنَيْهِ وَقْرًا فَبَشِّرْهُ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ﴾:
وإذا تُقْرأُ على هذا الضَّال آيات الله أعرض عنها غير مُعْتَدٍّ متكبِّرا مُبالغًا في التكبّر، وحاله في ذلك حال من لم يسمعها وهو سامع، كأَنَّ في أذنيه صَممًا وثُقْلا مانعا من السّماع فأَنذره - أيها الرسول - بأن العذاب المفرط في الإيلام لاحق به لا محالة يوم القيامة يؤلمه كما تألَّم بسماع كتاب الله وآياته، وتصَامم معرضا عنها وما به من صمم، وقوله - تعالى -: ﴿كَأَنْ لَمْ يَسْمَعْهَا﴾ فيه رمز إلى أنَّ من سمعها لا يُتَصَوَّر فيه التَّوْلية والاستكبار لما فيها من الأمور المُوجبة للإقبال عليها والخضوع لها. وقوله - تعالى -: ﴿كَأَنَّ فِي أُذُنَيْهِ وَقْرًا﴾ أصل معنى الوقْر: الحمل الثقيل، استعير للصم، ثم غلب حتى صار حقيقة فيه.
حكم الغناء: أخرج البخاري في الأدب المفرد، وابن أبي الدنيا، وابن جرير، وابن أبي حاتم، وابن مردويه، والبيهقي في سننه: عن أبن عباس أنه قال: ﴿لَهْوَ الْحَدِيثِ﴾: هو الغناء وأشباهه (٢) ولقد عرض المفسِّرون لحكم الغناء وأطالوا فيه الكلام وبخاصة العلامة الآلوسي، وإليك نبذه مختصرة في هذا الموضوع:
الغناء الذي يُحرك النفوس ويبعث على إثارة الشهوة لما فيه من شعر يُشَبَّب (٣) فيه بالنِّساء ويحث على الفجور بذكر الخمور والمحرمات، لا يُختلف في تحريمه، لأنه اللهو المذموم باتفاق. بل حكى بعضهم الإجماع علي حرمته في جميع الأديان.
(٢) الألوسي.
(٣) التشبيب: النسيب بالنساء وذكر محاسنهن.