كلام مستأنف على نهج الاستطراد في أثناء وصية لقمان تأكيدًا لما في الوصية من النهي عن الإشراك، فهو من كلام الله - عَزَّ وَجَلَّ - ولم يقله - سبحانه وتعالى - للقمان، وقيل: هو من كلامه - تعالى - للقمان، وكأنَّه قيل: قلنا له: اشكر، وقلنا له: وصَّينا الإنسان... إلخ.
والمعنى: وأمرنا الإنسان بأن يرْعَى والديه ويجعل لأمِّه أوفر نصيب، وأعظم قدر من العناية والرِّعاية؛ لأنها حملته جَهْدًا على جهد، وثقلًا على ثقل، يتزايد به ضعفها، ويتضاعف؛ لأن العمل كلما عظم ازدادت ثقلا وضعفا، وقد وقَّت الله فطامه في هذه الآية بعامين، للإشارة إلى أنهما الغاية التي لا تُتَجَاوزُ، والأمر فيما دون ذلك موكول إلى اجتهاد الأُم، وظاهر الآية أن مدَّة الرِّضاع عامان، ويؤيِّده قوله - تعالى -: ﴿وَالْوَالِدَاتُ يُرْضِعْنَ أَوْلَادَهُنَّ حَوْلَيْنِ كَامِلَيْنِ لِمَنْ أَرَادَ أَنْ يُتِمَّ الرَّضَاعَةَ﴾ (١)، وإلى هذا ذهب الشافعي والإمام أحمد، وأبو يوسف. ومحمد، وهو مختار الطحاوي، وروي عن مالك، وذهب الإِمام أبو حنيفة إلى أن مدَّة الرضاع الذي يتعلق به التحريم ثلاثون شهرًا، ومن أراد معرفة دليله فليرجع إلى المطولات.
﴿أَنِ اشْكُرْ لِي وَلِوَالِدَيْكَ إِلَيَّ الْمَصِيرُ﴾: ووصَّينا الإنسان أن اشكر لي على نعمتي عليك، ولوالديك على ما تحملا من المشقَّة فيك حتى استحكمت قواك، وشُكْرُ الله يكون بطاعته وفعل ما يرضى عنه، وشكر الوالدين بصلتهما والبرّ بهما والدُّعاء لهما، إليّ المرجج والمآب لا إلى غيري، فأجازيك على ما صدر عنك من خير أو شر، ومن شكر أو كفر، وهذا تعليل لوجوب الامتثال لما أمر الله.
١٥ - ﴿وَإِنْ جَاهَدَاكَ عَلَى أَنْ تُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلَا تُطِعْهُمَا وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفًا وَاتَّبِعْ سَبِيلَ مَنْ أَنَابَ إِلَيَّ ثُمَّ إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ فَأُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ﴾:
أي: وإن حملك والداك بجَهْد على أن تشرك بالله ما لا تعلم أنه يستحق العبادة فلا تطعهما وصاحبهما في الدُّنيا صِحابًا معروفًا يرتضيه الشرع، ويقتضيه الكرم والمروءة، كالقيام