والسلام - وساق معه الهدى ليعلم الناس أنه لم يخرج لحرب، فلما وصل - ﷺ - الحديبية بركت ناقته فقال الناس: خلأت (١) خلأت، فقال النبي - ﷺ -: (ما خلأت وما هو لها بخلق، ولكن حبسها حابس الفيل (٢) عن مكة. لا تدعونى قريش اليوم إلى خطة يسألوننى فيها صلة رحم إلا أعطيتهم إياها) ثم نزل هناك، فقيل: يا رسول الله، ليس بهذا الوادى ماء فأخرج - عليه الصلاة والسلام - سهمًا من كنانته فأعطاه رجلًا من أصحابه فنزل في قليب (٣) من تلك القلب فغرزه في جوفه فجاش بالماء الرَّوَاء (٤) حتى كفى الجيش.
وبعث رسول الله - ﷺ - خِرَاشَ - بكسر الخاء - بن أمية الخزاعى رسولا إلى أهل مكة يعلمهم أنه جاء معتمرا لا يريد قتالا فلما كلمهم عقروا جمله وأرادوا قتله، فمنعه الأحابيش (٥) فخلوا سبيله حتى إلى الرسول - ﷺ - فدعا عمر - رضي الله عنه - ليبعثه فقال: يا رسول الله، إن القوم عرفوا عداوتى لهم وغِلَظى عليهم وإنى لا آمن، وليس بمكة أحد من بني عديّ يغضب لي إن أُوذيت، فأَرْسِل عثمان بن عفان فإن عشيرته بها وهم يحبونه، وإنه يبلِّغ ما أردت، فدعا رسول الله - ﷺ - عثمان فأرسله إلى قريش وقال له - عليه الصلاة والسلام -: أخْبِرْهم أنَّا لم نأت لقتال وإنما جئنا عمَّارا، وادعهم إلي الإسلام، وأمره - عليه الصلاة والسلام - أن يأتى رجالا بمكة مؤمنين ونساء مؤمنات فيبشرهم بالفتح، ويخبرهم أن الله - سبحانه - يظهر دينه بمكة قريبا، فذهب عثمان - رضي الله عنه - إلى قريش وكان قد لقيه أبان بن سعيد بن العاص فأجاره، فأتى قريشا فأخبرهم، فقالوا له: إن شئت فطف بالبيت، وأما دخولكم فلا سبيل إليه، فقال - رضي الله عنه -: ما كنت لأطوف به حتى يطوف به رسول الله - ﷺ - فاحتبسوه، فبلغ رسول الله والمسلمين أن
(٢) حبسها حابس الفيل: أي: أن الله الذي منع فيل أبرهة أن يشترك في هدم الكعبة حبسها ومنعها كذلك أن تتجاوز هذا المكان لحكمة يعلمها الله - سبحانه وتعالى -.
(٣) القليب: هو البئر قبل أن تبنى بالحجارة.
(٤) الرواء: الكثير.
(٥) الأحابيش: هم الأعراب الذين حول مكة، حبشى - بالضم - جبل أسفل مكة، إليه تنسب أحابيش قريش، لأنهم تحالفوا: إنهم ليد على غيرهم، ما سجى ليل ووضح نهار، ومارسا حبشي.