وقال الراغب: المجد: السعة والكرم، ثم قال: ووصف القرآن به لكثرة ما يتضمن من المكارم الدنيوية والأُخروية. إهـ.
وقد أقسم الله بالقرآن المجيد، وجواب القسم مقدر يدل عليه المقام، وتقديره: إنا أنزلناه لتنذر به الناس، أو إنك لمنذر بالبعث وما وراءه.
وقد عقَّب الله هذا القسم بقوله: (بَلْ عَجِبُوا أَنْ جَاءَهُمْ مُنْذِرٌ مِنْهُمْ فَقَالَ الْكَافِرُونَ هَذَا شَىْءٌ عَجِيبٌ)، ولفظ (بل) للإضراب الانتقالى عمَّا ينبئ عنه جواب القسم المقدر، فكأنه قيل: إنا أنزلناه لتنذر الناس بالبعث وما وراءه فلم يؤمنوا، بل جعلوا كلا من النذر والمنذر به عرضة للتنكير والتعجب، مع كونهما أقرب شيء إلى العقول والتلقى بالقبول.
ثم أكدوا تعجبهم وبينوا أهم ما ينكرونه ويتعجبون منه فقالوا: (أَإِذَا مِتْنَا وَكُنَّا تُرَابًا ذَلِكَ رَجْعٌ بَعِيدٌ) يعنون أنهم إذا ماتوا وتحولت لحومهم وعظامهم إلى تراب، لا يعقل أَن تعود إليهم الحياة مرة أخرى، وجواب الاستفهام مقدر، أَي: نرجع.
ومعنى الآية: أَئذا تحولت لحومنا وعظامنا إلى تراب بعد الموت نرجع إلى الحياة مرةً أخرى؟ ذلك الرجوع إليها حينئذ رجوع بعيد عن التصديق وعن القبول.
وهذا الاستبعاد ناشئ عن قصر نظرهم وسوء فهمهم، فإن مَن خلقهم من تراب يُعيد خلقهم منه، وهو أهون من البدء.
وقد ردَّ الله عليهم، وعاب سرعة تكذيبهم للحق من غير روية فقال:
٥، ٤ - (قَدْ عَلِمْنَا مَا تَنْقُصُ الْأَرْضُ مِنْهُمْ وَعِنْدَنَا كِتَابٌ حَفِيظٌ. بَلْ كَذَّبُوا بِالْحَقِّ لَمَّا جَاءَهُمْ فَهُمْ فِي أَمْرٍ مَرِيجٍ):
أي: أَن بعثهم حينئذ لا صعوبة فيه على الله - تعالى - فقد علم ما تأكل الأرض من لحوم موتاهم وعظامهم، وعنده كتاب حافظ التفاصيل الكون كله، ومنها ما تنقص الأرض من الموتى بعد موتهم.