والمعنى: ولقد خلقنا السموات والأرض وما بينهما من أصناف المخلوقات، وأنواع الكائنات في ستة أيام، وما أصابنا من تعب ولا إعياء مع قلة الزمن، وضخامة هذه الأجرام، وتعدّد أنواعها وأشكالها، واختلاف أحوالها، وتباين حركاتها، وذلك مما لا تفى بإحصائه القوى والقدر، فضلًا عن إيجاده.
٣٩، ٤٠ - (فَاصْبِرْ عَلَى مَا يَقُولُونَ وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ وَقَبْلَ الْغُرُوبِ (٣٩) وَمِنَ اللَّيْلِ فَسَبِّحْهُ وَأَدْبَارَ السُّجُودِ):
تتجه الآيات إلى تسمية الرسول - ﷺ - والترويح عنه بطلب الإعراض عن أقوال المشركين واليهود، والالتجاء إلى الله بالتسبيح والحمد.
والمعنى: إذا كان أمرنا في القدرة كما ترى في خلق السموات والأرض وما بينهما في أقل زمان وفي غير إعياءٍ ولا نصب، فاصبر يا رسول الله على ما يقوله المشركون في شأن البعث من الأباطيل المبنية على الإنكار والاستبعاد، فإن من قدر على خلق العالم بهذه الصفة قادر على بعثهم، وعلى الانتقام من المنكرين والمستبعدين.
أو: فاصبر على ما يقوله اليهود من مقالة الكفر والتشبيه، أو: فاصبر على كل ما يقال من هؤلاء وهؤلاء، ومهما يكن فإن هذا متصل بقوله - تعالى -: (وَلَقَدْ خَلَقْنَا السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ) تسلية للرسول - ﷺ -، ومدخلًا لقوله - تعالى -: (وسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ) أي: قدس ربك وسبح بحمده ونزّهه عن كل ما يقوله هؤلاء وهؤلاء، وعن العجز وعن وقوع الخلف في أخباره التي من جملتها الإخبار بالبعث، وعن وصفه - تعالى - بما يقتضي التشبيه نزّهه عن هذا كلِّه، وعن كل ما لا يليق بذاته حامدًا له ما أنعم به عليك من إصابة الحق، مداومًا على هذا التسبيح والحمد قبل طلوع الشمس وقبل الغروب، وهما وقتا العصر والفجر لأفضليتهما، وقد نوّه القرآن الكريم بفضلهما في قوله - تعالى -: ﴿وَقُرْآنَ الْفَجْرِ إِنَّ قُرْآنَ الْفَجْرِ كَانَ مَشْهُودًا﴾ (١)، وفي قوله - تعالى -: {حَافِظُوا عَلَى الصَّلَوَاتِ وَالصَّلَاةِ