وفي قوله - تعالى -: ﴿غِلْمَانٌ لَهُمْ﴾ ما يشير ويوحي بأن هؤلاء الولدان قد خصهم الله بأُولئك المخدومين في الآخرة لا ينفكون عن خدمتهم ولا ينقطعون عن تبعيتهم لهم وأنهم مع تلك الخصال الطيبة على الصورة الحسنة والمنظر البهيج كأنهم اللؤلؤ المصون في صدفه صفاء وبياضًا ونقاء ونفاسة، هذا هو شأن الخادم، فما بالك بالمخدوم.
أخرج عبد الرزاق وابن جرير وابن المنذر عن قتادة قال: بلغني أنه قيل: يا رسول الله هذا الخادم مثل اللؤلؤ فكيف بالمخدوم؟ فقال - عليه الصلاة والسلام -: "والذي نفسي بيده إن فضل ما بينهم كفضل القمر ليلة البدر على سائر الكواكب".
٢٥ - ﴿وَأَقْبَلَ بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ يَتَسَاءَلُونَ﴾:
أي: وأقبل كل واحد منهم على أخيه بوجهه، وقد امتلأ بشرًا وحبورًا، يسأل كل واحد منهم أخاه ورفيقه في الجنة كما يسأله أخوه، كل يسأل عن الأحوال والأعمال التي استوجبت ما هم فيه، يسأله سؤال تلذذ وفرح بما ينعمون من ثواب حسن عظيم، لا يشوبه خوف من انقطاع أو إشفاق من نقصان فيجيبون على هذا التساؤل بما حكاه عنهم في قوله:
٢٦ - ﴿قَالُوا إِنَّا كُنَّا قَبْلُ فِي أَهْلِنَا مُشْفِقِينَ﴾:
أي: قال كل واحد منهم: إنا كنا في الدنيا بين أهلينا وأولادنا لا يشغلنا عن مولانا وإلهنا شىءٌ، كنا خائفين من عصيانه، رقاق القلوب من خشيته، منصرفين إلى طاعته، وجِلين من عاقبة الأمر ونهاية المطاف وهو اليوم الآخر.
٢٧ - ﴿فَمَنَّ اللَّهُ عَلَيْنَا وَوَقَانَا عَذَابَ السَّمُومِ﴾:
أي: فتفضل علينا بمنِّه وكرمه وحفظنا وجعلنا في وقاية من عذاب النار وسعيرها، وكانت الجنة هي دار المقام لنا؛ لأنه في الآخرة: إما إلى جنة، وإما إلى نار، وليس فيما حل بنا من حفظ وما أُقمنا فيه من كريم المنزل والمقعد الصدق عند ربنا ليس لنا في ذلك من فضل، فإن أعمالنا الصالحة بتوفيق الله ومعونته، وهي مع هذا قليلة بالنسبة إلى هذا النعيم وذلك بعد أن زحزحنا - سبحانه - عن النار بفضله وسعة كرمه، قال النبيّ - ﷺ -: "لن يدخل الجنة أحدٌ منكم بعمله، قالوا: ولا أنت يا رسول الله؟ قال:


الصفحة التالية
Icon