قال الإِمام الآلوسي: وأنا لا أرى في الآية دلالة على رجحان عقولهم، ولعلها تدل على ضد ذلك (بهذا) التناقض في المقال، فإن الكاهن والشاعر يكونان ذوي عقل تام وفطنة وقَّادة، والمجنون مغطى عقله مختل فكره، وهذا يعرب عن أن القوم لتحيرهم وعصبيتهم وقعوا في حيصَ بيصَ حتى اضطربت عقولهم، وتناقضت أقوالهم، وكذبوا أنفسهم من حيث لا يشعرون اهـ. ولكل وجهته.
﴿أَمْ هُمْ قَوْمٌ طَاغُونَ﴾ أي: بل هم قوم مجاوزون الحدود في المكابرة موغلون في العناد، ولا يحومون حول الرشد والسداد، لذلك تناقضوا في وصفه - ﷺ -.
٣٣ - ﴿أَمْ يَقُولُونَ تَقَوَّلَهُ بَلْ لَا يُؤْمِنُونَ﴾:
أي: بل أيقولون - كذبًا وزورًا -: إن محمدًا اختلق القرآن الكريم من تلقاء نفسه ونسبه إلى ربه بهتانًا وافتراءً، فليس الأمر كما يقولون ﴿بَلْ لَا يُؤْمِنُونَ﴾ بل إنهم لا يؤمنون بك ولا بما جئت به مع وضوح الحق لديهم جحدًا واستكبارًا، قال الله - تعالى -: ﴿فَإِنَّهُمْ لَا يُكَذِّبُونَكَ وَلَكِنَّ الظَّالِمِينَ بِآيَاتِ اللَّهِ يَجْحَدُونَ﴾.
٣٤ - ﴿فَلْيَأْتُوا بِحَدِيثٍ مِثْلِهِ إِنْ كَانُوا صَادِقِينَ﴾:
أي: فليأتوا بكلام يماثله في البلاغة والإعجاز إن كانوا صادقين فيما يدعونه من أنك يا محمَّد أتيت به من عندك؛ فما أنت إلا واحد منهم نشأ بينهم ولم يفارقهم، مع أن بلغاء العرب قد عجزوا وأفحموا - بعد أن تحديتهم - عن الإتيان حتى بسورة من مثله، ومحمد عربي مثلهم ولم يعرف عنه أنه تبارى مع الفصحاء والبلغاء، فإذا كنتم قد عجزتم عن الإتيان بمثله، فمحمد - ﷺ - مثلكم يعجز عن الإتيان بمثله، لأنه فوق مستوى البشر أجمعين، لقد كان وعاش أميًّا لا يعرف القراءة والكتابة مثلكم، فلو أنه قدر على نظمه لكان غيره من الفصحاه والبلغاء أقدر على ذلك منه، ومع ذلك بدا عجزهم حتى عن معارضة القرآن بعد أن تحداهم الله وأبان عجزهم فقال: ﴿قُلْ لَئِنِ اجْتَمَعَتِ الْإِنْسُ وَالْجِنُّ عَلَى أَنْ يَأْتُوا بِمِثْلِ هَذَا الْقُرْآنِ لَا يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ وَلَوْ كَانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيرًا﴾.


الصفحة التالية
Icon