٣٥ - ﴿أَمْ خُلِقُوا مِنْ غَيْرِ شَيْءٍ أَمْ هُمُ الْخَالِقُونَ﴾:
﴿أَمْ خُلِقُوا مِنْ غَيْرِ شَيْءٍ﴾ أي: أم خُلِقُوا هذا الخلق الدقيق العظيم وصوروا هذا التصوير البديع، فجاءُوا على هذا النظام الحسن من استقامة في أبدانهم، ونطق بألسنتهم، وإدراك في عقولهم، وتدبير لأمر معاشهم، واهتداء إلى ما يصلحهم ويحفظهم، أخُلِقُوا هذا الخلق وقدروا التقدير المحكم الذي عليه فطرتهم من غير خالق ومقدر؟
﴿أَمْ هُمُ الْخَالِقُونَ﴾ أي: أم هم الذين خلقوا أنفسهم فلذلك لا يعبدون الله - عز وجل - ولا يلتفتون إلى رسوله - ﷺ - وكيف يتصور عقل سليم وفكر مستقيم أن المعدوم يخلق ويوجد سواه فضلًا عن أن يخلق نفسه؟ وهم مع شركهم يعترفون بأن الله هو الذي خلقهم. قال - تعالى -: ﴿وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَهُمْ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ﴾ (١) وإذا اعترفوا بأن ثَمَّ خالقًا قد خلقهم وهو الله - سبحانه وتعالى - فما الذي يمنعهم من الإذعان له بالعبادة دون الأصنام؟ إنه هو التقليد لآبائهم، ومن أجله أهدروا عقولهم، وعاندوا في الإقرار بالحق.
٣٦ - ﴿أَمْ خَلَقُوا السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ بَلْ لَا يُوقِنُونَ﴾:
أي: بل أَهم الذين خلقوا السموات والأرض؟ كلا، إنهم لم يخلقوها بل لم يقفوا على شيء من أسرارها وما تضم من مخلوقات جليلة عظيمة وعديدة، فضلا عن أنهم أقروا بأن الله هو الذي خلقهن فقال - عز من قائل -: ﴿وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ لَيَقُولُنَّ خَلَقَهُنَّ الْعَزِيزُ الْعَلِيمُ﴾ (٢).
٣٧ - ﴿أَمْ عِنْدَهُمْ خَزَائِنُ رَبِّكَ أَمْ هُمُ الْمُصَيْطِرُونَ﴾:
أي: بل أعندهم وتحت أيديهم ووفق تصريفهم مفاتيح رزق الله ورحمته من النبوة وغيرها من عظائم نعمه ودقائقها فيقسموها على من يشاءُون ويؤثروا بها من يريدون ويمسكوها
(٢) سورة الزخرف، الآية: ٩.