الحسن: الأوليان السابقين والأُخريان التابعين، وهو بذلك يجعل أصحاب اليمين من جملة السابقين، وهذا القول روى موقوفًا، وصححه الحاكم عن أبي موسى.
ومعنى هذه الآيات: وأقل من الجنتين السابقتين جنتان لصنف آخر ممن خاف مقام ربه، وقد وصف الله هاتين الجنتين بأَوصاف فصل بينهما بقوله تعالى -: ﴿فَبِأَيِّ آلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ﴾ إيذانًا بالإنكار والتوبيخ على تكذيب كلّ من الموصوف وصفته.
وأول هذه الأوصاف أن الجنتين ﴿مُدْهَامَّتَانِ﴾ أي: خضراوان - كما روى عن ابن عباس وغيره، وأصل هذا التفسير عن النبي - ﷺ - فقد أخرج الطبرانى وابن مردويه عن أبي أيوب - رضي الله عنه - قال: "سألت النبي - ﷺ - عن قوله - تعالى - ﴿مُدْهَامَّتَانِ﴾ فقال: "خضراوان" والمراد أنهما شديدتا الخضرة من كثرة الرى، حتى أصبح لونهما يميل إلى الدهمة وهي السواد، وَوَصْف هاتين الجنتين بذلك دون السابقتين، للإيذان بأن الغالب فيهما النبات والرياحين المنبسطة على الأرض، أما وصف السابقتين بأَنهما ﴿ذَوَاتَا أَفْنَانٍ﴾، فللإيذان بأن الغالب فيهما الأشجار، فإنها هي التي توصف بأنهما ﴿ذَوَاتَا أَفْنَانٍ﴾ والنبات يوصف بالخضرة الشديدة.
وثاني هذه الأوصاف ﴿فِيهِمَا عَيْنَانِ نَضَّاخَتَانِ﴾ أي: فوارتان بالماء، قال البراءُ بن عازب فيما أخرجه عنه ابن المنذر وابن أبي حاتم: العينان اللتان تجريان في خير من النضاختين.
وثالث هذه الأوصاف ﴿فِيهِمَا فَاكِهَةٌ وَنَخْلٌ وَرُمَّانٌ﴾ وقد عطف نخل ورمان كل فاكهة مع أنهما منها، للإيذان بفضلهما، وقيل: إنهما لم يخلصا في الدنيا للتفكه، فإن ثمرة النخل فاكهة وغذاءٌ، والرمان فاكهة ودواءٌ، فكأنهما جنس آخر فعطفا على الفاكهة، ولهذا قال أبو حنيفة: من حلف أن لا يأكل فاكهة فأكل رُمَّانًا أو رُطبا لم يحنث، وخالفه صاحباه.