الغاية، إذا أحرقت النار أجسامهم فَزِعوا إلى الحميم، كالذي يفزع من النار إلى الماء ليطفيء به الحر فيجده حميمًا حارًّا في نهاية الحرارة والغليان، وقد مضى في سورة محمَّد قوله - تعالى -: ﴿وَسُقُوا مَاءً حَمِيمًا فَقَطَّعَ أَمْعَاءَهُمْ﴾ (١).
٤٣ - ﴿وَظِلٍّ مِنْ يَحْمُومٍ﴾:
أي: يفزعون من السموم إلى الظل كما يفزع أهل الدنيا فيجدونه ظلًّا من ﴿يَحْمُومٍ﴾ (٢) أي: من دخان شديد السواد والحرارة.
وتسمية هذا ظلًا على التشبيه التهكمى، وعن ابن عباس اليحموم - سرادق النار المحيط بأهلها يرتفع من كل ناحية حتى يظلهم، وقال ابن زيد: جبل أسود من النار يفزع أهل النار إلى ذراه فيجدونه أشد شيء.
٤٤ - ﴿لَا بَارِدٍ وَلَا كَرِيمٍ﴾:
صفتان للظّل: أي: ظل لا بارد ليخفِّف حرارة الجو كسائر الظلال ولا كريم أي: ولا نافع لمن يأوى إليه، ونفى ذلك ليزيل توهم ما في الظِّل من الاسترواح إليه.
والمعنى: أنَّه ظل حار ضار ومن ذلك النفى جاء التهكم والتعريض بأنّ الذي يستأهل الظّل الذي فيه بردٌ وإكرام غير هؤلاء فيكون أشجى لحلوقهم وأشد لتحسرهم. (آلوسى - وكشاف).
٤٥ - ﴿إِنَّهُمْ كَانُوا قَبْلَ ذَلِكَ مُتْرَفِينَ﴾:
تعليل لابتلائهم بما ذكر من أصناف العذاب وألوان العقاب. أي: وإنما استحقوا هذه العقوبة؛ لأنهم كانوا في الدنيا مترفين، والمترف هنا بقرينة المقام هو المتروك يصنع ما يشاء لا يمنع.
(٢) اليحموم في اللغة الشديد السواد وهو يفعول من لحم وهو الشحم المسود باحتراق النار، وقيل: مأخوذ من الحمم وهو الفحم (قرطبى).