أن ما يكون من النور للأُمة الإِسلامية أَجل وأبهى من النور الذي يكون لغيرها، ﴿بُشْرَاكُمُ الْيَوْمَ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا﴾ أَي: بسبب إيمانهم تقول لهم الملائكة الذين يتلقونهم: لكم البشارة اليوم بدخول جنات تجرى من تحتها أنهار من ماءٍ غير آسن وأنهار من لبن لم يتغير طعمه، وأنهار من خمر لذة للشاربين ليست برديئة الطعم، ولا بكريهة المذاق، ولا تذهب بعقولهم كخمر الدنيا، وأنهار من عسل مصفًّى، وهم في هذه الجنات خالدون فيها خلودًا أبديًّا ﴿ذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ﴾ أي: وهذا الجزاء الذي سألوه وظفروا به هو الفوز الذي لا فوز بعده فلا يعظمه ظفر؛ لأَنه سبب السعادة الأبدية ﴿في جناتٍ ونَهَرٍ * في مقعد صدق عند مليك مُقْتَدِرٍ﴾ (١).
١٣ - ﴿يَوْمَ يَقُولُ الْمُنَافِقُونَ وَالْمُنَافِقَاتُ لِلَّذِينَ آمَنُوا انْظُرُونَا نَقْتَبِسْ مِنْ نُورِكُمْ قِيلَ ارْجِعُوا وَرَاءَكُمْ فَالْتَمِسُوا نُورًا فَضُرِبَ بَيْنَهُمْ بِسُورٍ لَهُ بَابٌ بَاطِنُهُ فِيهِ الرَّحْمَةُ وَظَاهِرُهُ مِنْ قِبَلِهِ الْعَذَابُ﴾:
أَي: اذكر لهم ذلك اليوم الذي يعترى فيه المنافقين الخزى والهوان، وقد فاز فيه المؤمنون وظفروا بالنور يسعى بين أيديهم وبأيمانهم، وفي هذه المقالبة التي تبين ما عليه كل من الفريقين ما يشعر بتعظيم شأْن المؤمنين، وبالحط والمهانة للمنافقين إذ يقولون في هذا الموقف العصيب للذين آمنوا: انتظرونا وأمهلونا حتى نأْخذ قبسًا من نوركم نستضيءُ به فنحن قد منعناه وحرمنا منه وقد أَصبحنا في ظلمة فلا ندرى كيف نمشى فيها.
أخرج الطبرانى وابن مردويه عن ابن عباس قال: قال رسول الله - ﷺ -: "إِن الله يَدْعُو النَّاس يَوْم الْقِيَامَة بأمهاتهم سترًا مِنْهُ على عباده، وَأما عِنْد الصِّرَاط فَإِنَّ الله يُعْطي كل مُؤمن نورا وكل مُنَافِقٍ نورا فَإِذا اسْتَووا على الصِّرَاط أطفأ الله نور الْمُنَافِقين والمنافقات فَقَالَ المُنَافِقُونَ: انظرونا نقتبس من نوركم، وَقَالَ الْمُؤْمِنُونَ: رَبنَا أتمم لنا نورنا فَلَا يذكر عِنْد ذَلِك أحدٌ أحدًا" (٢).

(١) سورة القمر الآيتان: ٥٤و ٥٥.
(٢) انظر كنز العمال ج ١٤ ص ٦٤٢ رقم ٣٩٧٦٦ فقد ورد الحديث من رواية لابن عباس، قال: رواه الطبراني.


الصفحة التالية
Icon