﴿قِيلَ ارْجِعُوا وَرَاءَكُمْ﴾ أَي: يقول المؤمنون أَو الملائكة للمنافقين والمنافقات - استخفافًا واستهزاءً بهم - ارجعوا إِلى المكان الذي قسم الله فيه النور، فاطلبوا من هناك نورًا لكم فإنكم لا تقتبسون من نورنا، أَو ارجعوا إلى الدنيا فالتمسوا هذه الأنوار - وذلك سخرية بهم أَيضًا - إذ ليس إِلى الدنيا رجعة، أَو يقولون لهم - على سبيل التبرى منهم والطردِ والإبعاد لهم - تنحوا عنا. ﴿فَضُرِبَ بَيْنَهُمْ بِسُورٍ لَهُ بَابٌ بَاطِنُهُ فِيهِ الرَّحْمَةُ وَظَاهِرُهُ مِنْ قِبَلِهِ الْعَذَابُ﴾ أي: فحيل بين الفريقين بحاجز له باب يفصل بين أهل الجنة وأهل النار، باطن هذا السور وجانبه الذي يلي المؤمنين فيه الجنة التي هي مستقر الثواب والنعيم، وظاهر هذا السور وجانبه الذي يلي المنافقين والكفار يكون من جهته العذاب الأليم في النار التي وقودها الناس والحجارة.
١٤ - ﴿يُنَادُونَهُمْ أَلَمْ نَكُنْ مَعَكُمْ قَالُوا بَلَى وَلَكِنَّكُمْ فَتَنْتُمْ أَنْفُسَكُمْ وَتَرَبَّصْتُمْ وَارْتَبْتُمْ وَغَرَّتْكُمُ الْأَمَانِيُّ حَتَّى جَاءَ أَمْرُ اللَّهِ وَغَرَّكُمْ بِاللَّهِ الْغَرُورُ﴾:
أي: بعد أن يصير أمر المنافقين إلى ضرب السور بينهم وبين المؤمنين ومشاهدتهم العذاب ينادون المؤمنين قائلين لهم مستنجدين بهم: أَلم نكن معكم في الدنيا نفعل كما تفعلون من نطق بالشهادتين وصلاة وصيام وزكاة وحج ونحو ذلك من شعائر الإِسلام فيقول لهم المؤمنون: ﴿بَلَى﴾ كنتم معنا في الظاهر ﴿وَلَكِنَّكُمْ فَتَنْتُمْ أَنْفُسَكُمْ وَتَرَبَّصْتُمْ وَارْتَبْتُمْ وَغَرَّتْكُمُ الْأَمَانِيُّ حَتَّى جَاءَ أَمْرُ اللَّهِ وَغَرَّكُمْ بِاللَّهِ الْغَرُورُ﴾ أي: ولكنكم أهلكتم أنفسكم بالنفاق وأوقعتموها في بلية وعذاب، وانتظرتم بالمؤمنين شرًّا، وتربصتم بهم الدوائر والحوادث المفجعة، والنوازل المهلكة، وشككتم في أَمر دينكم، ولم يتمكن الإيمان من قلوبكم، وخدعتكم الأباطيل والأَمانى الكاذبة، وظننتم أن الإِسلام لا يطول أَمره ولا يمتد ظله، حتى فاجأَكم الموت وأنتم على باطلكم، وخدعكم الشيطان وأَدخل في روعكم وقلوبكم أن رحمة الله واسعة، وأَن عفوه ومغفرته تشملكم فلا يعذبكم على ما بدر منكم، ولكنه كذبكم وضللكم وهو اليوم يتبرأ منكم.