بتتابع الرسالات، وإنزال الكتب والميزان لإقرار العدل، فلا يبغى أحد على أحد، كما جاءت تبين إنعام الله بالنعم الجليلة التي تجمع لهم القوة والمنعة مع الرخاء والمنفعة.
وفي تخصيص الحديد بالذكر، مقرونًا بالبأْس والمنفعة لمحة إلى أَن فيه من معدات القوة ما يحرس الأَمن ويحفظ التوازن بين الأفراد والجماعات والأُمم، والحديد أَصل وأساس لكل تقدم صناعى وحضارى، ولذا كان جديرًا أن تسمى به السورة دون غيره من الأُمور التي ذكرت فيها أَو عرضت لها.
والمعنى: لقد كان فضلنا على الخلق، وإنعامنا عليهم أَن أَرسلنا رسلنا من الملائكة إلى الأَنبياء، أو من الأَنبياء إلى أُممهم داعين ومرشدين وأَيدناهم بالمعجزات، والحجج الباهرات الواضحات النى تؤكد صدقهم، وتحتم تصديقهم، وذلك ليدعوا الناس إلى الخير ويوجهوهم للهداية وسلامة السلوك الذي يكفل لهم راحة دنياهم، وسلامة آخرتهم، وأنزلنا مع الرسل الكتب التي تحفظ رسالتهم، وتشرح دعوتهم، وتؤكد صدقهم من التوراة والإنجيل، والقرآن، وسائر الكتب والألواح والصحف السماوية التي نزلت مع الرسل، كما أَنزلنا آلة الوزن ليلتزم الناس بالعدل، ويقوم عليه التعاون والتعامل، ويمتنع الظلم والعدوان.
قيل: إن جبريل - عليه السلام - نزل بالميزان المعروف فدفعه إلى نوح - عليه السلام - وقال: "مُرْ قوْمَكَ يَزِنُوا به"، وقيل المراد بالميزان: العدل والمساواة بين الناس في التعامل.
﴿وَأَنْزَلْنَا الْحَدِيدَ﴾ أي: خلقناه كقوله - تعالى -: ﴿وَأَنْزَلَ لَكُمْ مِنَ الْأَنْعَامِ﴾ (١) وذلك أن أوامره تعالى وقضاياه وأحكامه تنزل من السماء.
وقال قطرب: وأنزلنا الحديد أي: هيأناه لكم، وأنعمنا به عليكم، وقيل: نزل آدم - عليه السلام - من الجنة، ومعه خمسة أشياء من حديد: السندان، والكلبتان، والميقعة (٢)، والمطرقة، والإبرة.
ومعنى ﴿فِيهِ بَأْسٌ شَدِيدٌ﴾: أي: قوة ومنعة؛ لأَن آلات الحروب تتخذ منه - وهذا إشارة إلى احتياج الكتاب والميزان إلى قوة تحميهما؛ ليحصل القيام بالقسط، فإن الظلم من شيم
(٢) من معانيها المسن الذي يحدد به.