النفوس، ومن لم يدافع عن نفسه بسلاحه يهدم، وقوله - تعالى -: ﴿وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ﴾ أي: مصالح تنفعهم في معاشهم وتيسير أَعمالهم إذ ما مِن صنعة إلاَّ والحديد أو ما يعمل بالحديد آلتها، وفيه إِيماءٌ إلى أن القيام بالقسط كما يحتاج إلى القائم بالسيف؛ ليحفظ العدل، يحتاج إلى ما به قيام التعايش ليتم التمدن الذي يحتاجه بقاء النوع.
﴿وَلِيَعْلَمَ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ وَرُسُلَهُ بِالْغَيْبِ﴾ هذه الجملة معطوفة على محذوف يدل عليه السياق، أَو الحال؛ لأَنها متضمنة للتعليل.
والمعنى: فعل الله ذلك لييسر حياتهم، وينفعهم، ويقطع حجتهم، وليعلم الله علمًا يتعلق به الجزاء، ويترتب عليه الثواب والعقاب ليعلم من ينصره بالتوحيد والطاعة، وينصر رسله بالتصديق واتباع ما جاءُوا به دون أَن ينظر الله ويبصره.
﴿إِنَّ اللَّهَ قَوِيٌّ عَزِيزٌ﴾ أَي: إنه الله قادر لا يعجزه أمر ولا يفوته هارب منيع لا يغلبه غالب ولا يدركه طالب وهذا تذييل جاءَ تحقيقًا للحق، وتنبيهًا على أن التكاليف ليست لحاجته - تعالى - إلى نصرتهم في إعلاء كلمته، وإظهار دينه، بل إنما جاءَ ذلك ليصلوا بالتكاليف إلى الثواب، فإن الله غنى بقدرته وعزته عمَّا سواه في كل ما يريده.
٢٦ - ﴿وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا نُوحًا وَإِبْرَاهِيمَ وَجَعَلْنَا فِي ذُرِّيَّتِهِمَا النُّبُوَّةَ وَالْكِتَابَ فَمِنْهُمْ مُهْتَدٍ وَكَثِيرٌ مِنْهُمْ فَاسِقُونَ﴾:
هذه الآية نوع تفصيل لما أُجمل في قوله - تعالى -: ﴿لَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا﴾ وتكرير القسم لإظهار مزيد العناية بالأَمر، ووجه اختصاص "نوح وإبراهيم" بالذكر لسبقهما، واشتهارهما حتى سميا أَبَوَى البشر، واقتران عهد كل واحد منهما بأَحداث لها أَبعادها في تاريخ الإنسانية، وشعائر العبادات.
أما نوح - عليه السلام - فقد حدث في عهده الطوفان الذي يعتبر طورًا جديدًا في مسيرة الإنسانية، ولذلك قيل عنه: إنه آدم الثاني.