قلوبكم معلنا ما انطوت عليه جوانحكم، فتقولون بلسان ذاكر عن قلب شاكر: تنزهت وتقدست يا ربنا عن أي وصف لا يليق بك، أنت الذي ذللت لنا هذه المخلوقات التي تفوق قدرتنا ويستعصى علينا قيادها، فلو أردت لمنعت حركة السفن فلا تغادر مكانها ولا تبرح موضعها كما قال تعالى: ﴿إِنْ يَشَأْ يُسْكِنِ الرِّيحَ فَيَظْلَلْنَ رَوَاكِدَ عَلَى ظَهْرِهِ﴾ (١) ولو شئت ألا تمكننا من هذه الدواب والأنعام التي لا حول لنا معها ولا قوة إلا بك - لو شئت - لفعلت ولكنك يسَّرتها لنا وملكتنا أمرها، أخرج أحمد وأبو داود والترمذى وصححه، والنسائى وجماعة عن علي - كرم الله وجهه - أنه أُتى بدابة فلما وضع رجله في الركاب قال: بسم الله، فلما استوى على ظهرها قال: الحمد لله - ثلاثًا، والله أكبر - ثلاثًا ﴿سُبْحَانَ الَّذِي سَخَّرَ لَنَا هَذَا وَمَا كُنَّا لَهُ مُقْرِنِينَ﴾ سبحانك لا إلله إلاَّ أنت ظلمت نفسي فاغفر لي ذنوبى إنه لا يغفر الذنوب إلاَّ أنت، ثم ضحك فقيل له: عمَّ تضحك يا أمير المؤمنين؟ فقال: رأيت رسول الله - ﷺ - فعل كما فعلتُ ثم ضحك فقلت: يا رسول الله ممَّ ضحكت؟ فقال "يتعجب الرب من عبده إذا قال: رب اغفر لي فيقول: علم عبدي أنه لا يغفر الذنوب غيرى" كما روى أن رسول الله - ﷺ - كان يقول أيضًا: "اللهم إلى أسألك في سفرى هذا البر والتقوى، ومن العمل ما ترضى، اللهم هوّن علينا السفر، واطْوِ لنا البعيد، اللهم أنت الصاحب في السفر والخليفة في الأهل، اللهم اصحبنا في سفرنا واخلفنا في أهلنا" وكان - ﷺ - إذا رجع إلى أهله قال: "آيبون تائبون إن شاء الله عابدون لربنا حامدون": كما روى الإمام أحمد وغيره أنه - عليه الصلاة والسلام - قال: "ما من بعير إلا في ذروته شيطان فاذكروا اسم الله - تعالى - عليه إذا ركبتموه كما أمركم" وظاهر النظم الكريم أن تَذَكُّر النعمة والقولَ المذكور لا يخصان الأنعام بل يشملان الأنعام والفلك، وذكر عن بعضهم أنه يقال عند ركوب السفينة: ﴿بِسْمِ اللَّهِ مَجْرَاهَا وَمُرْسَاهَا إِنَّ رَبِّي لَغَفُورٌ رَحِيمٌ﴾ (٢) ويقال عند النزول منها: "اللهم أنزلنا منزلا مباركًا وأنت خير المنزلين".
(٢) سورة هود، من الآية ٤١.