أربعين سنة يتيهون في الأرض، حتى نشأ جيل جديد أقوى إيمانًا وإقدامًا من آبائهم، ففتح بهم أريحا وسائر البلاد المقدسة.
والأمر في قوله تعالى: ﴿وَاسْأَلْ مَنْ أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رُسُلِنَا﴾ موجه إلى الرسول - ﷺ - والمعنى على هذا: واسأل أيها الرسول أُمم من أرسلنا قبلك من رسلنا، أو على جعل سؤَال الأُمم لكم بمنزلة سؤَال المرسلين، قال الفراءُ: إنما يخبرون عن كتب الرسل، فإذا سألهم النبي - ﷺ -، فكأنه سأل المرسلين - عليه السلام - وعلى الوجهين السؤال موجه إلى الأمم، ولكنه بمنزلة سؤَال الرسل؛ لأنهم يحكون ما جاء في كتبهم.
وروى ذلك عن الحسن ومجاهد وقتادة والسدى وعطاء، وهو إحدى روايتين عن ابن عباس رضي الله عنهما.
وأخرج ابن المنذر وغيره عن قتادة أنه قال في بعض القراءات: ﴿وَاسْأَلْ مَنْ أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رُسُلِنَا﴾، وروى أن في قراءة عبد الله بن مسعود ﴿واسأل الذين أرسلنا إليهم قبلك من رسلنا﴾ والقراءتان المذكورتان شارحتان للمراد من هذه القراءة.
ومعنى الآية على هذا الوجه: واسأل أيها الرسول المرسلين قبلك في شخص أُممهم لتسمع قريشًا إجابتهم - اسألهم - أجعلنا في كتبهم من غير الرحمن آلهة يعبدون، فسيقولون: لا معبود في كتبنا سواه، فأنت لم تأت قومك حين دعوتهم إلى التوحيد - لم تأتهم - بأمر ابتدعته أنت، بل هو أمر مجمع عليه من سائر المرسلين.
وأمر الرسول - ﷺ - بسؤالهم، كناية عن أمر قريش بسؤالهم، فهو من باب قولهم: إياك أعنى واسمعى يا جارة.
ويصح أن يكون الأمر بالسؤال موجهًا إلى كل واحد من قريش وليس موجهًا إلى الرسول - ﷺ - وكأنه قيل: وليسأل كل واحد منكم أمم من أرسلنا قبلك من رسلنا: ﴿أَجَعَلْنَا مِنْ دُونِ الرَّحْمَنِ آلِهَةً يُعْبَدُونَ﴾ ليعلموا الحقيقة حتى لا يقولوا: ﴿مَا سَمِعْنَا بِهَذَا فِي الْمِلَّةِ الْآخِرَةِ إِنْ هَذَا إِلَّا اخْتِلَاقٌ﴾.